يردّه؛ فقيل له: قد كبر و ضعف و احتاج؛ فأذن له أن يدخل كلّ جمعة
فيسأل و يرجع إلى مكانه. و كان هيت مولى لعبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة
المخزوميّ، و كان طويس له؛ فمن ثمّ قيل [1] الخنث.
و جلس يوما
فغنّى في مجلس فيه ولد لعبد اللّه بن أبي أمية:
تغترق الطرف و هي لاهية
إلى آخر
البيتين؛ فأشير إلى طويس أن اسكت؛ فقال: و اللّه ما قيل هذان البيتان في ابنة
غيلان بن سلمة و إنما هذا مثل ضربه هيت في أمّ بريهة؛ ثم التفت إلى ابن عبد اللّه
فقال: يا ابن الطاهر، أوجدت عليّ في نفسك؟ أقسم باللّه قسما حقا لا أغنّي بهذا
الشعر أبدا.
ضافه عبد
اللّه بن جعفر فأكرمه و غناه:
قال إسحاق و
حدّثنا أبو الحسن الباهليّ الراوية عن بعض أهل المدينة، و حدّثنا الهيثم بن عديّ و
المدائنيّ، قالوا:
/ كان عبد
اللّه بن جعفر معه إخوان له في عشيّة من عشايا الربيع، فراحت عليهم السماء بمطر
جود فأسال [2] كلّ شيء؛ فقال عبد اللّه: هل لكم في العقيق؟- و هو متنزّه أهل
المدينة في أيام الرّبيع و المطر- فركبوا دوابّهم ثم انتهوا إليه فوقفوا على شاطئه
و هو يرمي بالزّبد مثل مدّ الفرات، فإنهم لينظرون إذ هاجت السماء، فقال عبد اللّه
لأصحابه ليس معنا جنّة نستنجنّ بها و هذه سماء خليقة أن تبلّ ثيابنا، فهل لكم في
منزل طويس فإنه قريب منا فنستكنّ فيه و يحدّثنا و يضحكنا؟ و طويس في النّظّارة
يسمع كلام عبد اللّه بن جعفر؛ فقال له عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت: جعلت فداءك! و
ما تريد من طويس عليه غضب اللّه: مخنّث شائن لمن عرفه؛ فقال له عبد اللّه: لا تقل
ذلك، فإنه مليح خفيف لنا فيه أنس؛ فلما استوفى طويس كلامهم تعجّل إلى منزله فقال
لامرأته: ويحك! قد جاءنا عبد اللّه بن جعفر سيد الناس، فما/ عندك؟ قالت: نذبح هذه
العناق [3]، و كانت عندها عنيقه قد ربّتها باللبن، و اختبز خبزا رقاقا؛ فبادر
فذبحها و عجنت هي. ثم خرج فتلقّاه مقبلا إليه؛ فقال له طويس: بأبي أنت و أمي؛ هذا
المطر، فهل لك في المنزل فتستكنّ فيه إلى أن تكفّ السماء؟ قال: إياك أريد؛ قال:
فامض يا سيدي على بركة اللّه، و جاء يمشي بين يديه حتى نزلوا، فتحدّثوا حتى أدرك
الطعام، فقال: بأبي أنت و أمي، تكرمني إذ دخلت منزلي بأن تتعشّى عندي؛ قال: هات ما
عندك؛ فجاءه بعناق سمينة و رقاق، فأكل و أكل القوم حتى تملّئوا [4]، فأعجبه طيب
طعامه، فلما غسلوا/ أيديهم قال: بأبي أنت و أمي، أتمشّى معك و أغنّيك؟ قال: افعل
يا طويس؛ فأخذ ملحفة فأتزر بها و أرخى لها ذنبين، ثم أخذ المربّع [5] فتمشّى و
أنشأ يغنّي: