حلفائها من قريظة و النضير، فالتقوا بفضاء كان بين بئر سالم [1] و
قباء، و كان أوّل يوم التقوا فيه، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انصرفوا و هم منتصفون
جميعا، ثم التقوا مرة أخرى عند/ أطم بني قينقاع، فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم، و
كان الظّفر يومئذ للأوس على الخزرج، فقال أبو قيس بن الأسلت في ذلك:
- أصل المخشوب: الحديث الطبع، ثم صار كل مصقول
مخشوبا؛ فشبهها بالحية في انسلالها- قال: فلبث الأوس و الخزرج متحاربين عشرين سنة في
أمر سمير يتعاودون القتال في تلك السنين، و كانت لهم فيها أيام و مواطن لم تحفظ،
فلما رأت الأوس طول الشرّ و أن مالكا لا ينزع [4]، قال لهم سويد بن صامت الأوسيّ-
و كان يقال له الكامل في الجاهلية، و كان الرجل عند العرب [5] إذا كان شاعرا شجاعا
كاتبا سابحا راميا سمّوه الكامل، و كان/ سويد أحد الكملة-: يا قوم، أرضوا هذا
الرجل من حليفه، و لا تقيموا على حرب إخوتكم فيقتل بعضكم بعضا و يطمع فيكم غيركم،
و إن حملتم على أنفسكم بعض الحمل. فأرسلت الأوس إلى مالك بن العجلان يدعونه إلى أن
يحكم بينه و بينهم ثابت بن المنذر بن حرام أبو حسّان بن ثابت، فأجابهم إلى ذلك،
فخرجوا حتى أتوا ثابت بن المنذر، و هو في البئر التي يقال لها سميحة [6]، فقالوا:
إنا قد حكّمناك بيننا؛ فقال: لا حاجة لي في ذلك؛ قالوا:
و لم؟ قال:
أخاف أن تردّوا حكمي/ كما رددتم حكم عمرو بن امرئ القيس؛ قالوا: فإنا لا نردّ حكمك
فاحكم بيننا؛ قال: لا أحكم بينكم حتى تعطوني موثقا و عهدا لترضون بحكمي و ما قضيت
به و لتسلمنّ له؛ فأعطوه على ذلك عهودهم و مواثيقهم، فحكم بأن يودى حليف مالك دية
الصريح ثم تكون السنّة فيهم بعده على ما كانت عليه:
الصريح [7] على
ديته و الحليف على ديته، و أن تعدّ القتلى الذين أصاب بعضهم من بعض في حربهم [ثم
يكون بعض ببعض] [8] ثم يعطوا الدية لمن كان له فضل في القتلى من الفريقين، فرضي
بذلك مالك و سلّمت الأوس و تفرّقوا على أنّ على بني النّجّار نصف دية جار مالك
معونة لإخوتهم، و على بني عمرو بن عوف نصفها؛ فرأت بنو عمرو بن عوف أنهم لم يخرجوا
إلا الذي كان عليهم، و رأى مالك أنه قد أدرك ما كان يطلب، و ودي جاره دية الصريح.
و يقال: بل
الحاكم المنذر أبو ثابت.
[1]
في أكثر النسخ «بني سالم» و لعلها محرفة عن بئر سالم التي أثبتناها في الأصل و في
ط، ء: «سالم».