فلمّا بلغ ذلك قيسا أغارت
على بني تغلب بإزاء الخابور [3]، فقتلوا منهم ثلاثة نفر، و استاقوا خمسة و ثلاثين
بعيرا، فخرجت جماعة من تغلب، فأتوا زفر بن الحارث و ذكروا له القرابة و الجهوار، و
هم بقرقيسيا، و قالوا: ائتنا برحالنا و ردّ علينا نعمنا، فقال: أما النّعم فنردّها
[4] عليكم، أو ما قدرنا لكم عليه، و نكمل لكم نعمكم من نعمنا إن لم نصبها كلّها، و
ندي لكم القتلى، قالوا له: فدع لنا قريات [5] الخابور، و رحّل قيسا عنها، فإنّ هذه
الحروب لن تطفأ ما داموا مجاورينا، فأبى ذلك زفر، و أبواهم أن يرضوا إلّا بذلك،
فناشدهم اللّه و ألحّ عليهم، فقال له رجل من النّمر كان معهم: و اللّه ما يسرّني
أنّه وقاني حرب قيس كلب أبقع تركته في غنمي اليوم، و ألحّ عليهم زفر يطلب إليهم و
يناشدهم،/ فأبوا فقال عمير: لا عليك، لا تكثر، فو اللّه إنّي لأرى عيون قوم ما
يريدون إلا محاربتك، فانصرفوا من عنده، ثم جمعوا جمعا، و أغاروا على ما قرب من
قرقيسيا من قرى القيسيّة، فلقيهم عمير بن الحباب، فكان النّميريّ الذي تكلّم عند
زفر أول قتيل، و هزم التغلبيّين، فأعظم ذلك الحيّان جميعا قيس و تغلب، و كرهوا
الحرب و شماتة العدوّ.
فذكر سليمان بن عبد اللّه
بن الأصمّ:
أنّ إياس بن الخرّاز، أحد
بني عتيبة بن سعد بن زهير، و كان شريفا من عيون تغلب، دخل قرقيسيا لينظر و يناظر
زفر فيما كان بينهم، فشدّ عليه يزيد بن بحزن [6] القرشيّ فقتله، فتذمّم زفر من
ذلك، و كان كريما مجمّعا لا يحب الفرقة، فأرسل إلى الأمير [7] ابن قرشة بن عمرو بن
ربعيّ بن زفر بن عتيبة بن بعج بن عتيبة [8] بن سعد بن زهير بن جشم بن الأرقم بن
بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، فقال له: هل لك أن تسود بني [9] نزار فتقبل
مني الدّية عن ابن عمّك؟ فأجابه إلى ذلك. و كان قرشة من أشراف بني تغلب، فتلافى
زفر ما بين الحيّين، و أصلح بينهم، و في الصدور ما فيها، فوفد عمير على المصعب بن
الزبير، فأعلمه أنه قد أولج قضاعة بمدائن الشام، و أنه لم يبق إلا حيّ من ربيعة
أكثرهم نصارى، فسأله أن يولّيه عليهم، فقال: اكتب إلى زفر، فإن هو أراد ذلك و إلّا
ولّاك، فلمّا قدم على زفر ذكر له ذلك فشقّ عليه ذلك، و كره أن يليهم عمير فيحيف
بهم و يكون ذلك داعية إلى
[1]
س: الرابيان. و الزابيان: نهران
بناحية الفرات، و قيل في سافلة الفرات و يسمى ما حولهما: الزوابي.