أنا أبا حمزة بلغه أن أهل
المدينة يعيبون أصحابه لحداثة أسنانهم، و خفّة أحلامهم، فبلغه ذلك عنهم؛ فصعد
المنبر؛ و عليه كساء غليظ؛ و هو متنكّب قوسا عربية فحمد اللّه، و أثنى عليه و صلّى
على نبيه صلّى اللّه عليه و سلم و آله، ثم قال:
يا أهل المدينة، قد بلغتني
مقالتكم في أصحابي، و لو لا معرفتي بضعف رأيكم/ و قلّة عقولكم لأحسنت أدبكم،
ويحكم!/ إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنزل عليه الكتاب، و بيّن له فيه
السّنن، و شرع له فيه الشرائع، و بيّن له فيه ما يأتي و ما يذر، فلم يكن يتقدّم
إلا بأمر اللّه، و لا يحجم إلا عن أمر اللّه، حتى قبضه اللّه إليه- صلّى اللّه
عليه و سلم- و قد أدّى الذي عليه، لم يدعكم من أمركم في شبهة، ثم قام من بعده أبو
بكر؛ فأخذ بسنّته، و قاتل أهل الرّدّة؛ و شمّر في أمر اللّه؛ حتى قبضه اللّه إليه
و الأمة عنه راضون، رحمة اللّه عليه و مغفرته؛ ثم ولي بعده عمر؛ فأخذ بسنة صاحبيه،
و جنّد الأجناد؛ و مصّر الأمصار؛ و جبي الفيء؛ فقسّمه بين أهله؛ فقسّمه بين أهله؛
و شمّر عن ساقه، و حسر عن ذراعه، و ضرب في الخمر ثمانين، و قام في شهر رمضان، و
غزا العدوّ في بلادهم؛ و فتح المدائن و الحصون؛ حتى قبضه اللّه إليه و الأمة عنه
راضون، رحمة اللّه عليه و رضوانه و مغفرته، ثم ولي من بعده عثمان بن عفان فعمل في
ستّ سنين بسنّة صاحبيه؛ ثم أحدث أحداثا أبطل آخر منها أولا، و اضطرب حبل الدين
بعدها، فطلبها كلّ امرئ لنفسه، و أسرّ كلّ رجل منهم سريرة أبداها اللّه عنه؛ حتى
مضوا على ذلك، ثم ولي عليّ بن أبي طالب، فلم يبلغ من الحق قصدا؛ و لم يرفع له
منارا و مضى؛ ثم ولي معاوية بن أبي سفيان لعين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و
ابن لعينه، و حلف من الأعراب، و بقية من الأحزاب، مؤلّف طليق، فسفك الدم الحرام، و
اتّخذ عباد اللّه حولا، و مال اللّه دولا، و بغى دينه عوجا و دغلا [1]، و أحلّ
الفرج الحرام، و عمل بما يشتهيه؛ حتى مضى لسبيله، فعل اللّه به و فعل، ثم ولى بعده
ابنه يزيد: يزيد الخمور، و يزيد الصّقور، و يزيد الفهود، و يزيد الصّيود، و يزيد
القرود، فخالف القرآن، و اتّبع الكهّان، و نادم القرد، و عمل بما يشتهيه حتى مضى
على ذلك لعنه اللّه، و فعل به و فعل، ثم ولي مروان بن الحكم طريد لعين رسول اللّه-
صلّى اللّه عليه و سلم/ و آله- و ابن لعينه؛ فاسق في بطنه و فرجه، فالعنوه و
العنوا آباءه. ثم تداولها بنو مروان بعده؛ أهل بيت اللعنة، طرداء رسول اللّه- صلّى
اللّه عليه و سلم- و قوم من الطلقاء ليسوا من المهاجرين و الأنصار و لا التابعين
لهم بإحسان، فأكلوا مال اللّه أكلا، و لعبوا بدين اللّه لعبا، و اتّخذوا عباد
اللّه عبيدا، يورّث ذلك الأكبر منهم الأصغر. فيا لها أمة، ما أضيعها و أضعفها! و
الحمد للّه ربّ العالمين، ثم مضوا على ذلك من أعمالهم و استخفافهم بكتاب اللّه
تعالى؛ قد نبذوه وراء ظهورهم، لعنهم اللّه؛ فالعنوهم كما يستحقّون؛ و قد ولي منهم
عمر بن عبد العزيز؛ فبلغ؛ و لم يكد؛ و عجز عن الذي أظهره، حتى مضى لسبيله- و لم
يذكره بخير و لا شرّ [2]- ثم ولي يزيد بن عبد الملك، غلام ضعيف سفيه غير مأمون على
شيء من أمور المسلمين، لم يبلغ أشدّه، و لم يؤانس رشده، و قد قال اللّه عزّ و
جلّ: (فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)[3] فأمر أمة محمد في
أحكامها و فروجها و دمائهم أعظم من ذلك كلّه، و إن كان ذلك عند اللّه عظيما، مأبون
في بطنه و فرجه، يشرب الحرام، و يأكل الحرام، و يلبس الحرام، و يلبس بردتين قد
حيكتا له، و قوّمتا على أهلهما بألف دينار و أكثر و أقلّ، قد أخذت من غير حلّها و
صرفت في غير وجهها، بعد أن ضربت فيها الأبشار [4]، و حلقت فيها الأشعار، و استحلّ
ما لم يحلّ اللّه/ لعبد صالح، و لا لنبي مرسل، ثم يجلس