قال هارون: و حدّثني جدّي
أبو علقمة، قال: سمعت أبا حمزة على منبر النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول:/ «من زنى فهو كافر»، و من
سرق فهو كافر، و من شك أنه كافر فهو كافر:
برح الخفاء فأين ما
بك يذهب
خطبة أخرى ضافية له في
أهل المدينة:
قال هارون: قال جدّي: كان
أبو حمزة قد أحسن السيرة في أهل المدينة، حتى استمال الناس، و سمع بعضهم كلامه في
قوله: من زنى فهو كافر، قال هارون: قال جدي:
و سمعت أبا حمزة يخطب
بالمدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: يا أهل المدينة؛ ما لي رأيت رسم الدين
فيكم عافيا [1]، و آثاره دارسة! لا تقبلون عليه عظة، و لا تفقهون من أهله حجّة، قد
بليت فيكم جدّته، و انطمست عنكم سنّته، ترون معروفه منكرا، و المنكر من غير
معروفا، إذا انكشفت لكم العبر، و أوضحت لكم النّذر، عميت عنها أبصاركم، و صمّت
عنها أسماعكم، ساهين في غمرة، لاهين في غفلة، تنبسط قلوبكم للباطل إذا نشر، و
تنقبض عن الحق إذا ذكر، مستوحشة من العلم، مستأنسة بالجهل، كلما وقعت عليها موعظة
زادتها عن الحق نفورا، تحملون منها في صدوركم كالحجارة أو أشدّ قسوة من الحجارة، أ
و لم تلن لكتاب اللّه الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية اللّه!
يا أهل المدينة، ما تغني عنكم صحّة أبدانكم/ إذا سقمت قلوبكم إن اللّه قد جعل لكل
شيء غالبا يقاد له، و يطيع أمره، و جعل القلوب غالبة على الأبدان، فإذا مالت
القلوب ميلا كانت الأبدان لها تبعا، و إنّ القلوب لا تلين لأهلها إلا بصحّتها، و
لا يصحّحها إلا المعرفة باللّه، و قوّة النّية، و نفاذ البصيرة. و لو استشعرت تقوى
اللّه قلوبكم لاستعملت بطاعة اللّه أبدانكم. يا أهل المدينة، داركم دار الهجرة، و
مثوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، لمّا نبت به داره، و ضاق به قراره، و آذاه
الأعداء، و تجهّمت له، فنقله إلى قوم- لعمري لم يكونوا أمثالكم- متوازرين مع الحقّ
على الباطل، و مختارين للآجل على العاجل، يصبرون للضّرّاء رجاء ثوابها، فنصروا
اللّه، و جاهدوا في سبيله، و آووا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و نصروه، و
اتّبعوا النور الذي أنزل معه، و آثروا اللّه على أنفسهم و لو كانت بهم خصاصة، قال
اللّه تعالى لهم و لأمثالهم و لمن اهتدى بهداهم: (وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ)*[2] و أنتم أبناؤهم، و من بقي من خلفهم، تتركون أن تقتدوا بهم، أو
تأخذوا بسنّتهم، عمي القلوب، صمّ الآذان، اتّبعتم الهوى، فأرداكم عن الهدى و
أسهاكم، فلا مواعظ القرآن تزجركم فتزدجروا، و لا تعظكم فتعتبروا، و لا توقظكم
فتستيقظوا، لبئس الخلف أنتم! من قوم مضوا قبلكم، ما سرتم بسيرتهم، و لا حفظتم
وصيتهم، و لا احتذيتم مثالهم، لو شقت عنم قبورهم، فعرضت عليهم أعمالكم لعجبوا كيف
صرف العذاب عنكم. قال: ثم لعن أقواما.
ثم خطبة رابعة رائعة:
قال هارون: و حدّثني داود
بن عبد اللّه بن أبي الكرام، و أخرج إليّ خط بن فضالة النحوي بهذا الخبر: