ثم قال: كيف ترى؟ قلت:
عجبا من العجب، قال: ظننت أنك تقول: لا، فأبلّ يدي و أرفعها. ثم سكت، فبادرت، و
انصرفت خوفا من شرّه.
أين يهبط عليه الوحي:
حدّثني عبد العزيز بن أحمد
عم أبي، قال:
كان أبو العبر يجلس بسرّ
من رأى في مجلس يجتمع عليه فيه المجّان يكتبون عنه، فكان يجلس على سلّم و بين يديه
بلّاعة فيها ماء و حمأة، و قد سدّ مجراها، و بين يديه قصبة طويلة، و على رأسه خفّ،
و في رجليه قلنسيتان، و مستمليه في جوف بئر،/ و حوله ثلاثة نفر يدقّون بالهواوين،
حتى تكثر الجلبة، و يقلّ السماع، و يصيح مستمليه من جوف البئر من يكتب [1]، عذّبك
اللّه، ثم يملي عليهم، فإن ضحك أحد ممن حضر قاموا فصبّوا على رأسه من ماء البلّاعة
إن كان وضيعا، و إن كان ذا مروءة رشّش عليه بالقصبة من مائها، ثم يحبس في الكنيف
إلى أن ينفضّ المجلس، و لا يخرج منه حتى يغرم درهمين. قال: و كانت كنيته أبا
العباس، فصيرها أبا العبر، ثم كان يزيد فيها في كل سنة حرفا، حتى مات، و هي أبو
العبر طرد طيل طليري بك بك بك.
ما ذا يصنع بالسمكة:
حدّثني جحظة، قال: رأيت
أبا العبر بسرّ من رأى، و كان أبوه شيخا صالحا، و كان لا يكلّمه، فقال له بعض
إخوانه: لم هجرت ابنك؟ قال: فضحني- كما تعلمون- بما يفعله بنفسه، ثم لا يرضى بذلك،
حتى يهجّنني و يؤذيني، و يضحك الناس مني، فقالوا له: و أيّ شيء من ذاك؟ و بما ذا
هجّنك؟ قال: اجتاز عليّ منذ أيام و معه سلّم، فقلت له: و لأيّ شيء هذا معك؟ فقال:
لا أقول لك، فأخجلني، و أضحك بي كل من كان عندي، فلما أن كان بعد أيام اجتاز بي و
معه سمكة، فقلت له: إيش تعمل بهذه؟ فقال: أنيكها، فحلفت لا أكلمه أبدا.
مذهبه في الكتابة:
أخبرني عم أبي عبد العزيز،
قال:
سمعت رجلا سأل أبا العبر
عن هذه المحالات التي لا يتكلّم بها: أيّ شيء أصلها؟ قال: أبكّر، فأجلس على
الجسر، و معي دواة و درج [2]، فأكتب كلّ شيء أسمعه من كلام الذاهب و الجائي و
الملّاحين و المكارين، حتى أملأ الدّرج من الوجهين، ثم أقطعه عرضا و طولا و ألصقه
مخالفا، فيجيء منه كلام ليس في الدنيا أحمق منه.
مذهبه في الصيد:
أخبرني عمي [3]، قال: رأيت
أبا العبر واقفا على بعض آجام سرّ من رأى، و بيده/ اليسرى قوس جلاهق [4]، و على
يده اليمنى باشق، و على رأسه قطعة رئة في حبل مشدود بأنشوطة، و هو عريان، في أبره
شعر مفتول مشدود