عبيد اللّه إذا لم يكن له
نوبة، فأقبلت أتعجّب من ذلك، و اتّصلت خدمته إياه ثلاث سنين، ثم انصرفا يوما من
الشّمّاسية مع عبيد اللّه بن جعفر، فلقيه الخضر بن جبريل، و كان في [1] الناس في
العسكر، فعاتبه عبيد اللّه على تركه و انقطاعه عنه، فقال: و اللّه ما أفعل ذلك
جهلا بحقك، و لا إخلالا بواجبك، و لكنا في طريقين متباينين لا يمكن معهما
الاجتماع، قال: و ما هما ويحك؟ قال: أنت على نهاية السّرف في محبّة [2] عمرو
الغزال، و أنا على نهاية السّرف في بغضه [2] و أنت تتوهم أنه لا يطيب لك عيش إلا
به، و أنا أتوهم أني إن عاشرته ساعة متّ، و تقطعت نفسي غيظا و كمدا، و ما يستقيم
مع هذا بيننا عشرة أبدا، فقال له عبيد اللّه: إذا كان هذا [3] هكذا فأنا أعفيك منه
إذا زرتني، فصر إليّ آمنا، ففعل، و لم يجلس عبيد اللّه حتى قال لحاجبه لا تدخل
اليوم/ أحدا، و لا تستأذن عليّ لجلوسه و دخلنا، فلما وضعت المائدة لم يأكل ثلاث
لقم، حتى دخل الحاجب فوقف بين يديه، و أقبل عمرو الغزال خلفه، فرآه من أقصى الصحن،
فقال له عبيد اللّه: ثكلتك أمّك! أ لم أقل لك لا تدخل عليّ أحدا من خلق اللّه؟ فقال
له الحاجب: امرأته طالق ثلاثا إن كان عنده أن عمرا عندك في هذا المجرى، و لو جاء
جبريل و ميكائيل و كلّ من خلق اللّه لم يدخلوا عليك إلا بإذن سوى عمرو؛ فإنك
أمرتني أن آذن له خاصة و أن يدخل متى شاء، و على كلّ حال.
قال: و لم يفرغ الحاجب من
كلامه حتى دخل عمرو، فجلس على المائدة و تغيّر وجه الخضر، و بانت الكراهة فيه، فما
أكل أكلا فيه خير، و تبيّن عبيد اللّه ذلك، و رفعت المائدة و قدّم النبيذ، فجعل
الخضر يشرب شربا كثيرا لم أكن أعهده يشرب مثله،/ فظننت [4] أنه يريد بذلك أن يستتر
[5] من عمرو الغزال، و عمرو يتغنّى، فلا يقتصر [6] و كلما تغنى قال له عبيد اللّه:
لمن هذا الصوت يا حبيبي؟ فيقول: لي و عندنا يومئذ جوار مطربات محسنات، و هو يقطع
غناءهنّ بغنائه، و تبينت في وجه الخضر العربدة إلى أن قال عمرو بعقب صوت: هذا لي،
فوثب الخضر و كشف استه و خزي في وسط المجلس على بساط خزّ لم أر لأحد مثله، ثم قال:
إن كان هذا الغناء لك، فهذا الخراء لي، فغضب عبيد اللّه، و قال له: يا خضر أ كنت
تستطيع أن تفعل أكثر من هذا؟ قال إي و اللّه أيها الأمير، ثم وضع رجليه على سلحه،
ثم أخرجهما فمشى على البساط مقبلا و مدبرا، حتى خرج و قد لوّثه، و هو يقول: هذا كله
لي، و تفرّقنا عن المجلس على أقبح حال و أسوئها، و شاع الخبر، حتى بلغ الرشيد،
فضحك حتى غلب عليه، و دعا الخضر، و جعله في ندمائه منذ يومئذ، و قال: هذا أطيب خلق
اللّه، و انكشف عنده عوار عمرو الغزال و استرحنا منه، و أمر أن يحجب عنه، فسقط
يومئذ، و قد كان الجواري و الغلمان أخذوه و لهجوا به، و كان الرشيد يكايد به
إبراهيم الموصلي و ابن جامع قبل ذلك فسقط غناؤه أيضا منذ يومئذ، فما ذكر منه حرف
بعد ذلك اليوم إلا صنعته في: