أنت و أكثر، و أنت آمن من
أن يكون منا جواب، و أتى محمد بن أمية، فقال له مثل ذلك، و مضى أبو موسى، فأخذ
عليّ بن أمية رقعة فكتب فيها:
كم شاعر عند نفسه
فطن
ليس لدينا بالشاعر الفطن
قد أخرجت نفسه
بغصّتها
يا ريح ما تصنعين بالدّمن
و دفع الرقعة إلى غلام له،
و قال: ادفعها إلى غلام أبي موسى، و قل له: يقول لك مولاك:/ اذكرني بهذا إذا
انصرفت إلى المنزل، فلما انصرفت إلى المنزل أتاه غلامه بالرقعة، فقال: ما هذه؟
فقال: التي بعثت بها إليّ، فقال:
و اللّه ما بعثت إليك
رقعة، و أظن الفاسق قد فعلها، ثم دعا ابنه، فقرأها عليه، فلما سمع ما فيها قال: يا
غلام، لا تنزع عن البغلة. فرجع إلى عليّ بن أمية، فقال: نشدتك اللّه أن تزيد على
ما كان، فقال له: أنت آمن.
لحن عمرو الغزال في أبيات
عليّ بن أمية رمل بالوسطى.
و قال يوسف بن إبراهيم:
حدّثني إبراهيم بن المهديّ: قال: حدّثني محمد بن أيوب المكي:
بئس المغني عمرو الغزال:
أنه كان في خدمة عبيد
اللّه بن جعفر بن المنصور، و كان مستخفّا لعمرو الغزال، محبّا له، و كان عمرو
يستحق ذلك بكل شيء، إلا ما يدّعيه و يتحقّق به من صناعة الغناء؛ و كان ظريفا
أديبا نظيف الوجه و اللباس، معه كلّ ما يحتاج إليه من آلة الفتوّة، و كان صالح
الغناء، ما وقف بحيث يستحقّ، و لم يدع ما يستحقه، و أنه كان عند نفسه نظير ابن
جامع و إبراهيم و طبقتهما، لا يرى لهم عليه فضلا و لا يشكّ في أنّ صنعتهم مثل
صنعته، و كان عبد اللّه قليل الفهم بالصناعة، فكان يظن أنه قد ظفر منه بكنز من
الكنوز، فكان أحظى الناس عنده من استحسن غناء عمرو الغزال و صنعته، و لم يكن في
ندمائه [1] من يفهم هذا، ثم استزار عبيد اللّه بن جعفر أخاه عيسى، و كان أفهم منه،
فقلت له:
استعن برأي أخيك في عمرو
الغزال؛ إنه أفهم منك، و كانت أمّ جعفر كثيرا ما تسأل الرشيد تحويل أخيها عبيد
اللّه و تقديمه و التنويه به، فكان عيسى أخوه يعرّف الرشيد أنه ضعيف عاجز لا يستحق
ذلك، فلما زاره عيسى أسمعه غناء عمرو، فسمع منه سخنة عين [2]، فأظهر من السرور و
الطّرب أمرا عظيما، ليزيد بذلك عبيد اللّه بصيرة فيه، و يجعله عيسى سببا قويا يشهد
عند الرشيد بضعف عقله، و علمت ما أراد، و عرفت أن عمرا الغزال أول داخل على
الرشيد، فلما كان وقت العصر من اليوم الثاني، لم نشعر إلا برسول الرشيد قد جاء
يطلب عمرا الغزال، فوجّه إليه و أقبل يلومني و يقول: ما أظنك إلا قد فرقت بيني و
بين عمرو، و كنت غنيا عن الجمع بينه و بين عيسى، و اتفق أن غنى عمرو الرشيد في هذا
الشعر صنعته:
يا ريح ما تصنعين
بالدّمن؟
كم لك من محو منظر حسن
و كان صوتا خفيفا مليحا
فأطربه، و وصله بألف [3] دينار، و صار في عداد مغنّي/ الرشيد، إلا أنه كان يلازم