و اجتمعت بنو تميم كلها
إليها لتنصرها. و كان فيهم الأحنف بن قيس، و حارثة بن بدر، و وجوه تميم كلها.
و كان مؤذّنها شبيب بن
ربعيّ الرياحيّ، فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب و هو باليمامة، و قالت: يا معشر
تميم، اقصدوا اليمامة، فاضربوا فيها كل هامة، و أضرموا فيها نارا ملهامة، حتى
تتركوها سوداء كالحمامة [1].
و قالت لبني تميم: إن
اللّه لم يجعل هذا الأمر في ربيعة، و إنما جعله في مضر، فاقصدوا هذا الجمع، فإذا
فضضتموه كررتم على قريش. فسارت في قومها و هم الدّهم [2] الداهم. و بلغ مسيلمة
خبرها، فضاق بها ذرعا، و تحصّن في حجر حصن اليمامة. و جاءت في جيوشها فأحاطت به،
فأرسل إلى وجوه قومه و قال: ما ترون؟ قالوا:
نرى أن نسلّم هذا الأمر
إليها و تدعنا، فإن لم نفعل فهو البوار.
و كان مسيلمة ذا دهاء،
فقال: سأنظر في هذا الأمر. ثم بعث إليها: إن اللّه- تبارك و تعالى- أنزل عليك
وحيا، و أنزل عليّ. فهلمّي نجتمع، فنتدارس ما أنزل اللّه علينا، فمن عرف الحق
تبعه، و اجتمعنا فأكلنا العرب أكلا بقومي و قومك.
فبعثت إليه: أفعل، فأمر
بقيّة أدم فضربت، و أمر بالعود المندليّ [3] فسجر فيها، و قال: أكثروا من الطيب و
المجمر [4]، فإنّ المرأة إذا شمت رائحة الطيب ذكرت الباه، ففعلوا ذلك.
/ و
جاءها رسوله يخبرها بأمر القبّة المضروبة للاجتماع، فأتته فقالت: هات ما أنزل
عليك. فقال: أ لم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نطفة تسعى، بين صفاق [5] و
حشا، من بين ذكر و أنثى، و أموات و أحيا، ثم إلى ربهم يكون المنتهى. قالت: و ما
ذا؟ قال: أ لم تر أن اللّه خلقنا أفواجا، و جعل النساء لنا أزواجا، فنولج فيهن
الغراميل إيلاجا، و نخرجها منهن إذا شئن إخراجا. قالت: فبأي شيء أمرك؟ قال:
قال: فقالت: لا، إلّا به
أجمع. قال: فقال: كذا أوحى اللّه إليّ، فواقعها. فلما قام عنها قالت: إن مثلي لا
يجري أمرها هكذا، فيكون وصمة على قومي و عليّ، و ليكن مسلّمة النبوّة إليك،
فاخطبني إلى أوليائي يزوّجوك، ثم أقود تميما معك.
فخرج و خرجت معه، فاجتمع
الحيّان من حنيفة و تميم، فقالت لهم سجاح: إنه قرأ عليّ ما أنزل عليه،
[1]
عبارة الطبري (2: 239): ... و دفوا
دفيف الحمامة.