قال: فعطفت الظّباء راجعة
إليه حتى وقفت بالقرب منه، مستشرفة تنظر إليه مصغية تسمع صوته، فعجب من حضر من
رجوعها و وقوفها، و ناوله الرّجل القوس فأخذها و قطع الغناء، فعاودت الظّباء
نفارها، و مضت راجعة على سننها [2].
غنى وسط دجلة فتسابق
الناس لسماعه
قال ابن المكّيّ: و حدّثني
رجل من أهل البصرة كان يألف مخارقا و يصحبه، قال:
كنت [3] معه مرّة في طيّار
ليلا و هو سكران، فلما توسّط دجلة اندفع بأعلى صوته فغنّى، فما بقي أحد في
الطّيّار من ملّاح و لا غلام و لا خادم إلا بكى من رقّة صوته، و رأيت الشّمع و
السّرج من جانبي دجلة في صحون القصور و الدّور يتساعون بين يدي أهلها [4] يستمعون
غناءه.
ابن الأعرابي يستكثر
الهبة التي أخذها لشعر غناه
حدّثني الصّوليّ، قال:
حدثني محمد بن عبد اللّه التّميميّ الحزنبل، قال:
كنا في مجلس ابن الأعرابيّ
إذ أقبل رجل من ولد سعيد بن سلم كان يلزم ابن الأعرابيّ، و كان يحبّه و يأنس به،
فقال له: ما أخّرك عنّي؟ فاعتذر بأشياء منها أنه قال: كنت مع مخارق عند بعض بني
الرّشيد، فوهب له مائة ألف درهم على صوت غنّاه إياه، فاستكثر [5] ابن الأعرابيّ
ذلك و استهوله، و عجب منه و قال له: بأيّ شيء غنّاه؟
قال: غنّاه بشعر العبّاس
بن الأحنف:
صوت
بكت عيني لأنواع
من الحزن و أوجاع
و إني كلّ يوم عن
دكم يحظى بي السّاعي
فقال ابن الأعرابيّ: أمّا
الغناء فما أدري ما هو، و لكن هذا و اللّه كلام قريب مليح.