فطرب الرشيد و استعاده
عدّة مرّات، و هو شعر مدح به الرشيد في فتح هرقلة، و أقبل يومئذ على ابن جامع دون
غيره، فغمز مخارق إبراهيم بعينه، و تقدّمه إلى الخلاء، فلما جاءه قال له: ما لي
أراك منكسرا [3]؟ قال: أما ترى إقبال أمير المؤمنين على ابن جامع بسبب هذا الصوت؟
فقال: قد و اللّه أخذته، فقال له: ويحك إنه الرّشيد، و ابن جامع من تعلم، و لا
يمكن معارضته إلا بما يزيد على غنائه، و إلا فهو الموت، و قال: دعني و خلاك ذمّ، و
عرّفه أنّي أغنّي به، فإن أحسنت فإليك ينسب، و إن أسأت فإليّ يعود [4]. فقال
للرّشيد: يا أمير المؤمنين، أراك متعجبا من هذا/ الصوت بغير ما يستحقه و أكثر ممّا
يستوجبه، فقال: لقد أحسن ابن جامع ما شاء، قال: أو لابن جامع هو؟ قال: نعم، كذا
ذكر، قال له: فإن عبدك مخارقا يغنّيه، فنظر إلى مخارق، فقال: نعم يا أمير
المؤمنين، فقال: هاته، فغنّاه و تحفّظ فيه، فأتى بالعجائب؛ فطرب الرّشيد حتى كاد
يطير فرحا، و شرب، ثم أقبل على ابن جامع فقال له: ويلك، ما هذا! فابتدأ يحلف له
بالطّلاق و كلّ محرجة أنّه لم يسمع ذلك الصوت قطّ إلّا منه، و لا صنعه غيره، و
أنها حيلة جرت عليه، فأقبل على إبراهيم و قال: أصدقني بحياتي، فصدقه [5] عن قصّة
مخارق، فقال له: أ كذلك هو يا مخارق؟ قال: نعم يا مولاي، فقال: اجلس إذن مع
أصحابك، فقد تجاوزت مرتبة من يقوم، و أعتقه و وصله بثلاثة آلاف دينار، و أقطعه
ضيعة و منزلا.
كان سبب عتقه و غناه
لحنا غناه أمام الرشيد
أخبرني محمد بن خلف وكيع،
و حدّثني محمد بن خلف بن المرزبان، قال وكيع: حدّثني هارون بن مخارق، و قال ابن
المرزبان: ذكر هارون بن مخارق، قال: