و قال الهيثم في خبره: كان
عمرو بن مفرّغ، عمّ يزيد بن ربيعة بن مفرّغ، رجلا له جاه و قدر عند السّلطان، و
كان ذا مال و ثروة، و ذا دين و فضل و صلاح، فكان يعنّف ابن أخيه في أمر أناهيد
عشيقته، و يعذله و يعيّره بها، فلما أكثر عليه أتاه يوما فقال له: يا عمّ، جعلت
فداك، إنّ لي بالأهواز حاجة، و لي على قوم بها نحو من ثلاثين ألف درهم قد خفت أن
تتوى [1] عليّ، فإن رأيت أن تتجشّم العناء معي إليها حتى تطالب لي بحقي، و تعينني
بجاهك على غرمائي./ و كان عمرو بن مفرّغ قد استخلفه ابن عبّاس عليها؛ إذ كان عامل
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و على آله على البصرة، و كان
عامل الأهواز- حين سأل ابن مفرّغ عمّه أن يخرج معه- ميمون بن عامر أخو بني قيس بن
ثعلبة الذي يقال لدراهمه اليوم الميمونية [2]. فلم يزل ابن مفرّغ بعمه حتى أجابه
إلى الخروج فاستأجر سفينة و توجّه إلى الأهواز، و كتب إلى أناهيد أن تهيّئي و
تزيّني بأحسن زينتك، و اخرجي إليّ مع جواريك فإني موافيك، و منزلها يومئذ بين سرّق
و رامهرمز.
فلما نزلوا منزلها خرجت
إليهم. و جلست معهم في هيئتها و زيّها و حليّها و آلتها، فلما رآها عمّه قال له:
قبّحك اللّه! أ فهلّا إذ فعلت ما فعلت كنت علقت مثل هذه! [3] فقال: يا عمّ، أو قد
أعجبتك؟ فقال: و من لا تعجبه هذه [3] قال: أ لجدّ هذا منك؟ قال: نعم و اللّه، قال:
فإنها و اللّه هذه بعينها، فقال: يا خبيث إنما أشخصتني لهذا، يا غلام ارحل بنا.
فانصرف عمّه إلى البصرة/ و أقام هو معها، و لم يزل يتردّد كذلك حتى مات في الطاعون
في أيام مصعب بن الزبير.
لزوم غرمائه له لديون
ركبته و احتياله لقضائها
أخبرني أحمد بن عبد العزيز
الجوهريّ و حبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا القحذميّ
قال:
لزم يزيد بن مفرّغ غرماؤه
بدين، فقال لهم: انطلقوا نجلس على باب الأمير، عسى أن يخرج الأشراف من عنده فيروني
فيقضوا عنّي، فانطلقوا به، فكان أوّل من خرج إما عمر بن عبيد اللّه بن معمر و أما
طلحة الطّلحات، فلما رآه قال: أبا عثمان، ما أقعدك هاهنا؟ قال: غرمائي هؤلاء
لزموني بدين لهم عليّ، قال: و كم هو؟ قال:
سبعون ألفا، قال: عليّ
منها عشرة آلاف درهم.
ثمّ خرج الآخر على الأثر،
فسأله ما سأل صاحبه، فقال: هل خرج أحد قبلي؟ قالوا: نعم، فلان، قال: فما صنع؟
قالوا: ضمن عشرة آلاف درهم، قال: فعليّ مثلها.
ابن أبي بكرة يقضي دينه
فيمدحه
قال: ثم جعل الناس يخرجون،
فمنهم من يضمن الألف إلى أكثر من ذلك، حتى ضمنوا أربعين ألفا [4].
و كان يأمل عبيد اللّه بن
أبي بكرة، فلم يخرج حتى غربت الشمس، فخرج مبادرا، فلم يره حتى كاد يبلغ بيته،