كانت دنانير مولاة يحيى بن
خالد البرمكيّ و كانت صفراء مولّدة، و كانت من أحسن الناس وجها و أظرفهنّ و
أكملهنّ أدبا و أكثرهنّ رواية للغناء و الشعر، و كان الرشيد لشغفه بها يكثر مصيره
[2] إلى مولاها و يقيم عندها و يبرّها [3] و يفرط، حتى شكته زبيدة إلى أهله و
عمومته، فعاتبوه على ذلك.
لها كتاب في الأغاني
و لها كتاب مجرّد في
الأغاني مشهور، و كان اعتمادها في غنائها على ما أخذته من بذل و هي خرّجتها، و قد
أخذت أيضا عن الأكابر الذين أخذت بذل عنهم مثل: فليح، و إبراهيم، و ابن جامع، و
إسحاق، و نظرائهم.
أخبرني جحظة، قال: حدّثني
المكّيّ عن أبيه قال:
كنت أنا و ابن جامع نعايي
[4] دنانير جارية البرامكة، فكثيرا ما كانت تغلبنا.
عرضت على إبراهيم
الموصلي صوتا من صنعتهما فأعجبه
أخبرني إسماعيل بن يونس
الشّيعيّ، عن ابن شبّة، قال: حدثني إسحاق الموصليّ، قال: قال لي أبي: قال لي يحيى
بن خالد: إن ابنتك دنانير قد عملت صوتا اختارته و أعجبت به، فقلت لها: لا يشتدّ إعجابك
حتى تعرضيه على شيخك، فإن رضيه فارضيه لنفسك، و إن كرهه فاكرهيه، فامض حتى تعرضه
عليك. قال: فقال لي أبي: فقلت له: أيها الوزير فكيف إعجابك أنت به؟ فإنك و اللّه
ثاقب الفطنة صحيح التّمييز [5]، قال: أكره أن أقول لك: أعجبني فيكون عندك غير
معجب؛ إذ كنت عندي رئيس صناعتك، تعرف منها ما لا أعرف، و تقف من لطائفها على ما لا
أقف، و أكره/ أن أقول لك: لا يعجبني، و قد بلغ من قلبي مبلغا محمودا، و إنما يتمّ
السرور به إذا صادف ذلك منك استجادة و تصويبا. قال: فمضيت إليها، و قد تقدم إلى
خدمه يعلمهم أنه سيرسل بي إلى داره، و قال لدنانير: إذا جاءك إبراهيم فاعرضي عليه
الصوت الذي صنعته و استحسنته، فإن قال لك: أصبت سررتني بذلك، و إن كره فلا
تعلميني. لئلا يزول سروري بما صنعت. قال إسحاق: قال أبي: فحضرت الباب فأدخلت، و
إذا الستارة قد نصبت، فسلّمت على الجارية من وراء الستارة، فردّت السلام، و قالت:
يا أبت أعرض عليك صوتا قد تقدّم لا شكّ