/ أبو تمام حبيب بن أوس الطائيّ، من نفس طيّىء صليبة
[1]. مولده و منشؤه منبج، بقرية منها يقال لها جاسم.
شاعر مطبوع، لطيف الفطنة،
دقيق المعاني، غوّاص على ما يستصعب منها، و يعسر متناوله على غيره. و له مذهب في
المطابق، هو كالسابق إليه جميع الشعراء، و إن كانوا قد فتحوه قبله، و قالوا القليل
منه، فإن له فضل الإكثار فيه، و السلوك في جميع طرقه. و السليم من شعره النادر
شيء لا يتعلق به أحد. و له أشياء متوسطة، و رديئة رذلة جدا.
الخلاف حوله
و في عصرنا هذا من يتعصب
له فيفرط، حتى يفضله على كل سالف و خالف، و أقوام يتعمّدون الرديء من شعره
فينشرونه، و يطوون محاسنه، و يستعملون القحة و المكابرة في ذلك، ليقول الجاهل بهم:
إنهم لم يبلغوا علم هذا و تمييزه إلا بأدب فاضل، و علم ثاقب. و هذا مما يتكسب به
كثير من أهل هذا الدهر، و يجعلونه و ما جرى مجراه من ثلب الناس، و طلب معايبهم،
سببا للترفّع، و طلبا للرئاسة. و ليست إساءة في القليل، و أحسن في الكثير، مسقطة
إحسانه؛ و لو كثرت إساءته أيضا ثم أحسن، لم يقل له عند الإحسان أسأت، و لا عند
الصواب أخطأت، و التوسط في كل شيء أجمل، و الحق أحق أن يتّبع.
منزلة شعره عنده
و قد روي عن بعض الشعراء
أن أبا تمام أنشده قصيدة له أحسن في جميعها، إلا في بيت واحد، فقال له: يا أبا
تمام، لو ألقيت هذا البيت ما كان في قصيدتك عيب. فقال له: أنا و اللّه أعلم منه
مثل ما تعلم، و لكن مثل شعر الرجل عنده مثل أولاده، فيهم الجميل و القبيح، و
الرشيد و الساقط، و كلهم حلو في نفسه، فهو و إن أحب الفاضل، لم يبغض الناقص، و إن
هوي بقاء المتقدم، لم يهو موت المتأخر.
/ و
اعتذاره بهذا ضدّ لما وصف به نفسه في مدحه الواثق، حيث يقول:
جاءتك من نظم اللسان
قلادة
سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
أحذاكها صنع اللسان
يمدّه
جفر إذا نضب الكلام معين
و يسيء بالإحسان
ظنّا لا كمن
هو بابنه و بشعره مفتون
فلو كان يسيء بالإساءة
ظنّا و لا يفتتن بشعره، كنا في غنى عن الاعتذار له.