فقال: أحسنت يا نضر! و كتب
لي إلى الحسن [4] بن سهل بخمسين ألفا، و أمر خادما بإيصال رقعة، و تنجيز ما أمر به
لي، فمضيت معه إليه، فلما قرأ التوقيع ضحك، و قال لي: يا نضر، أنت الملحّن/ لأمير
المؤمنين؟ قلت: لا، بل لهشيم. قال: فذاك إذن، و أطلق لي الخمسين ألف درهم، و أمر
لي بثلاثين ألفا.
عبد الملك بن بشر يعبث
به
أخبرني الحسين بن يحيى،
قال: حدّثنا حماد عن أبيه، قال:
بلغني أن حمزة بن بيض
الحنفيّ كان يسامر عبد الملك بن بشر بن مروان، و كان/ عبد الملك يعبث به عبثا
شديدا، فوجه إليه ليلة برسول، و قال: خذه على أي حال وجدته عليها، و لا تدعه
يغيرها، و حلّفه على ذلك، و غلّظ الأيمان عليه. فمضى الرسول، فهجم عليه، فوجده
يريد أن يدخل الخلاء، فقال: أجب الأمير. فقال: ويحك، إني أكلت طعاما كثيرا، و شربت
نبيذا حلوا، و قد أخذني بطني. قال: و اللّه لا تفارقني أو أمضي بك إليه، و لو سلحت
في ثيابك. فجهد في الخلاص، فلم يقدر عليه، فمضى به إلى عبد الملك، فوجده قاعدا في
طارمة [5] له، و جارية جميلة كان يتحظاها جالسة بين يديه، تسجر الندّ في طارمته،
فجلس يحادثه و هو يعالج ما هو فيه.
قال: فعرضت لي ريح، فقلت:
أسرحها و أستريح، فلعل ريحها لا يتبين مع هذا البخور، فأطلقتها، فغلبت و اللّه ريح
الندّ و غمرته، فقال: ما هذا يا حمزة! قلت: عليّ عهد اللّه و ميثاقه، و عليّ المشي
و الهدي إن كنت فعلتها.
و ما هذا إلا عمل هذه
الفاجرة. فغضب و احتفظ، و خجلت الجارية، فما قدرت على الكلام، ثم جاءتني أخرى
فسرّحتها، و سطع و اللّه ريحها. فقال: ما هذا ويلك! أنت و اللّه الآفة. فقلت:
امرأتي فلانة طالق ثلاثا إن كنت فعلتها. قال: و هذه اليمين لازمة لي إن كنت
فعلتها، و ما هو إلا عمل هذه الجارية، فقال: ويلك ما قصتك؟ قومي إلى الخلاء إن كنت
تجدين حسّا، فزاد خجلها و أطرقت. و طمعت فيها، فسرّحت الثالثة، و سطع من ريحها ما
لم يكن في الحساب، فغضب عبد الملك، حتى كاد يخرج من جلده، ثم قال: خذ يا حمزة بيد
الزانية، فقد وهبتها لك، و امض فقد نغصت عليّ ليلتي.
فأخذت و اللّه بيدها، و
خرجت، فلقيني خادم له، فقال: ما تريد أن تصنع؟ قلت: أمضي بهذه. قال: لا
[1]
الموقع: الذي في ظهره سحج، و قيل في
أطراف عظامه، من الركوب؛ و ربما انحص عنه الشعر، و نبت أبيض. و في «اللسان»: