لي: بل أزيدك على ما أعطيت
الكميت. فأمر لي بمائة ألف درهم، كما أعطي الكميت، و زادني عليه، و صنع بي في سائر
الألطاف كما صنع به، فلما فرغت من حاجتي أتيته يوما و معي تذكرة بحاجة القوم في
الديات، فلما جلس أنشدته:
أتيناك في حاجة
فاقضها
و قل مرحبا يجب المرحب
و لا تكلنّا إلى معشر
متى يعدوا عدة يكذبوا
فإنك في الفرع من
أسرة
لهم خضع الشرق و المغرب
و في أدب منهم ما
نشأت
و نعم لعمرك ما أدّبوا
بلغت لعشر مضت من سني
-
ك ما يبلغ السيد الأشيب
فهمّك فيها جسام
الأمور
و همّ لداتك أن يلعبوا
فقال: مرحبا بك و بحاجتك،
فما هي؟ فأخرجت إليه رقعة القوم، و قلت: حمالات في ديات. فتبسم، ثم أمر لي بعشرة
آلاف درهم. فقلت: أو غير ذلك أيها الأمير؟ قال: و ما هو؟ قلت: أدلّ على قبر
المهلّب، حتى أشكو إليه قطيعة ولده. فتبسم، ثم قال: زده يا غلام عشرة آلاف أخرى،
فأبيت، و قلت: بل أدل على قبر المهلب، فقال: زده يا غلام عشرة آلاف أخرى، فما زلت
أكررها و يزيدني عشرة آلاف،/ حتى بلغت سبعين [1] ألفا. فخشيت و اللّه أن يكون يلعب
أو يهز أبي، فقلت: وصلك اللّه أيها الأمير، و آجرك، و أحسن جزاءك. فقال مخلد: أما
و اللّه لو أقمت على كلامك، ثم أتى ذلك على خراج خراسان لأعطيتكه.
مجلس المأمون و النضر بن
شميل
أخبرني محمد بن مزيد بن
أبي الأزهر قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثني النضر بن شميل، قال:
دخلت على أمير المؤمنين
المأمون بمرو و عليّ أطمار مترعبلة [2]؛ فقال لي: يا نضر، تدخل على أمير المؤمنين
في مثل هذه الثياب؟ فقلت: إن حرّ مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. فقال: لا. و
لكنك رجل متقشّف. فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حدّثني هشيم بن بشير [3]، عن مجالد،
عن الشعبيّ، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا تزوّج الرجل المرأة
لدينها و جمالها كان فيه سداد من عوز». هكذا قال: سداد بالفتح.
فقلت: صدق، يا أمير
المؤمنين. حدّثني عوف الأعرابيّ عن الحسن، أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة
لدينها و جمالها، كان فيه سداد من عوز»، و كان المأمون متكئا فاستوى جالسا، و قال:
السّداد لحن يا نضر عندك؟
قلت: نعم هاهنا يا أمير
المؤمنين؛ و إنما هشيم لحن، و كان لحانة، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السّداد:
القصد في الدّين/ و الطريقة و السبيل. و السّداد: البلغة، و كل ما سددت به شيئا
فهو سداد. و قد قال العرجيّ: