دخل النعمان بن بشير
المدينة في أيام يزيد بن معاوية و ابن الزبير، فقال: و اللّه لقد أخفقت أذناي من
الغناء، فأسمعوني. فقيل له: لو وجهت إلى عزة الميلاء، فإنها من قد عرفت. فقال: إي
و رب الكعبة، إنها لممن تزيد النفس طيبا، و العقل شحذا. ابعثوا إليها عن رسالتي،
فإن أبت صرت إليها. فقال له بعض القوم: إن النقلة تشتدّ عليها، لثقل بدنها، و ما
بالمدينة دابة تحملها. فقال النعمان بن بشير: و أين النجائب عليها الهوادج؟ فوجه
إليها بنجب، فذكرت علة. فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه: أنت كنت أخبر
بها، قوموا بنا. فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها. فأذنت و أكرمت و اعتذرت، فقبل
النعمان عذرها، و قال لها: غني، فغنت:
قال: فأشير إليها أنها
أمه، فأمسكت. فقال: غني، فو اللّه ما ذكرت إلا كرما و طيبا، و لا تغنّي سائر اليوم
غيره. فلم نزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف.
قال إسحاق: فتذاكروا هذا
الحديث عند الهيثم بن عديّ، فقال: أ لا أزيدكم فيه طريفة؟ فقلنا: بلى، يا أبا عبد
الرّحمن. فقال: قال لقيط و نحن عند سعيد الزبيريّ [2]، قال عامر الشعبيّ:
اشتاق النعمان بن بشير إلى
الغناء، فصار إلى منزل عزة الميلاء، فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له. فلما
خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها، فقال النعمان: لأقضين بينكما بقضية لا تردّ
عليّ، قد أحل اللّه له من النساء أربعا: مثنى، و ثلاث، و رباع، له مرتان [3]
بالنهار، و مرتان [3] بالليل.
أخبرني محمد بن الحسن بن
دريد، قال حدّثني عمي، عن العباس بن هشام [4]، عن أبيه؛ و أخبرني الحسين بن يحيى،
عن حماد، عن أبيه، عن الكلبي [5]. و أخبرني عمي قال: حدّثنا الكرانيّ قال: حدّثني
العمريّ عن الهيثم بن عديّ، قالوا:
أعشى همدان يمدحه
خرج أعشى همدان إلى الشام
في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظا؛ فجاء إلى النعمان بن بشير و هو عامل
على حمص، فشكا إليه حاله. فكلم له النعمان اليمانية، و قال لهم: هذا شاعر اليمن و
لسانها، و استماحهم له. فقالوا: نعم، يعطيه كل واحد منا دينارين من عطائه. فقال:
أعطه دينارا، و اجعلوا ذلك معجلا. فقالوا له:
[3]
مرتان: كذا في الموضعين بدون همز بين
الراء و التاء في جميع الأصول المخطوطة، و هى لغة الحجاز بين الذين يفرّون من
الهمز.
و في المطبوعتين ب، س:
مرأتان. و في «الأغاني» (9: 14) امرأتان.
أو لعله تثنية مرة أي يأتيها مرتين نهارا، و مرتين ليلا، فكأنه يأتي أربع نساء،
اثنتين ليلا، و اثنتين نهارا.