فبلغ قوله رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و سلّم، فدعاه فقال له: أنت القائل: «أصبح نهبي و نهب العبيد بين الأقرع و عيينة؟» فقال أبو
بكر:
بأبي أنت و أمّي يا رسول
اللّه، لم يقل كذلك، و لا و اللّه ما أنت بشاعر، و لا ينبغي لك الشعر، و ما أنت
براوية، قال:
فكيف قال؟ فأنشده أبو بكر
رضي اللّه عنه، فقال: هما سواء، لا يضرّك بأيّهما بدأت: بالأقرع أم بعيينة، فقال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: اقطعوا عنّي لسانه، و أمر بأن يعطوه من الشّاء
[1] و النّعم ما يرضيه ليمسك، فأعطي، قال:
فوجدت [2] الأنصار في
أنفسها، و قالوا: نحن أصحاب موطن [3] و شدّة، فآثر قومه علينا، و قسم قسما لم
يقسمه لنا، و ما نراه فعل هذا إلّا و هو يريد الإقامة بين أظهرهم، فلما بلغ قولهم
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أتاهم في منزلهم فجمعهم، و قال: من كان هاهنا
من غير الأنصار فليرجع إلى أهله، فحمد اللّه و أثنى عليه/ ثم قال: يا معشر
الأنصار، قد بلغتني مقالة قلتموها، و موجدة وجدتموها في أنفسكم، أ لم آتكم ضلّالا
فهداكم اللّه؟ قالوا: بلى. قال: أ لم آتكم قليلا فكثّركم اللّه؟ قالوا: بلى. قال:
أ لم آتكم أعداء فألّف اللّه بين قلوبكم؟ قالوا: بلى.
قال محمّد بن إسحاق: و
حدّثني يعقوب بن عيينة أنه قال: أ لم آتكم و أنتم لا تركبون الخيل فركبتموها؟
قالوا:
بلى. قال: أ فلا تجيبون يا
معشر الأنصار؟ قالوا: للّه و لرسوله علينا المنّ و الفضل، جئتنا يا رسول اللّه و
نحن في الظلمات، فأخرجنا اللّه بك إلى النور، و جئتنا يا رسول اللّه و نحن على شفا
حفرة من النار، فأنقذنا اللّه، و جئتنا يا رسول اللّه و نحن أذلّة قليلون فأعزّنا/
اللّه بك، فرضينا باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا. فقال صلّى اللّه
عليه و سلّم: أما و اللّه لو شئتم لأجبتموني بغير هذا، فقلتم: جئتنا طريدا
فآويناك، و مخذولا فنصرناك، و عائلا فأغنيناك، و مكذّبا فصدّقناك، و قبلنا منك ما
ردّه عليك الناس، لقد صدقتم. فقال الأنصار: للّه و لرسوله علينا المنّ و الفضل، ثم
بكوا حتى كثر بكاؤهم، و بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قال: يا معشر
الأنصار وجدتم في أنفسكم في الغنائم أن آثرت بها ناسا أتألّفهم على الإسلام
ليسلموا، و وكلتكم إلى الإسلام، أ و لا ترضون أن يذهب الناس بالشاء و الإبل، و
ترجعوا برسول اللّه إلى رحالكم؟ و الّذي نفس محمّد بيده لو سلك الناس شعبا [4] و
سلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، و لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ثم بكى
القوم ثانية حتى أخضلوا [5] لحاهم، و قالوا: رضينا يا رسول اللّه باللّه و برسوله
حظّا و قسما، و تفرّق القوم راضين، و كانوا بما قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و سلّم أشدّ اغتباطا من المال.
/ و
قال أبو عمرو الشيباني في هذا الخبر: أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم
جماعة من أشراف العرب عطايا يتألّف بها قلوبهم و قومهم على الإسلام، فأعطى كلّ رجل
من هؤلاء النّفر- و هم: أبو سفيان بن حرب، و ابنه معاوية، و حكيم بن حزام، و الحرث
بن هشام، و سهيل بن عمرو، و حويطب بن عبد العزّى، و صفوان بن أميّة، و العلاء بن
حارثة الثّقفي حليف بني زهرة، و عيينة بن حصن، و الأقرع بن حابس- مائة من الإبل، و
أعطى كلّ واحد من
[1]
في ب، س، ج «من النساء»؛ و هو تحريف و التصويب عن ها.