و ردّه إلى منزله مكرّما،
فكان ابن الزّبير بعد ذلك يمدحه و يشيد بذكره، فلما قتل مصعب بن الزبير اجتمع ابن
الزّبير و عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان في مجلس، فعرف ابن الزبير خبره- و كان عبيد
اللّه هو الّذي قتل مصعب بن الزبير- فاستقبله بوجهه و قال له:
فقال له ابن ظبيان: فكيف
النجاة من ذلك؟ قال: لا نجاة، هيهات! «سبق السيف العذل» [2]، قال: فكان ابن ظبيان بعد قتله
مصعبا لا ينتفع بنفسه في نوم و لا يقظة،/ كان يهوّل عليه [3] في منامه فلا ينام،
حتى كلّ جسمه و نهك، فلم يزل كذلك حتى مات.
شعره عند عبيد اللّه بن
زياد
و قال ابن الأعرابي: لما
قدم ابن الزّبير من الشأم إلى الكوفة دخل على عبيد اللّه بن زياد بكتاب من يزيد بن
معاوية إليه يأمره بصيانته و إكرامه و قضاء دينه و حوائجه و إدرار عطائه، فأوصله
إليه، ثم استأذنه في الإنشاد، فأذن له، فأنشده قصيدته الّتي أوّلها:
[1]
تفرّعت: علت. و في ب، س، ج؛ «تقرّعت» و التصويب عن ط، مط.
الحواري: الناصر أو ناصر الأنبياء: و هو هنا الزبير بن العوّام، قال صلّى اللّه
عليه و سلّم «الزبير ابن عمتي و حوارييّ
من أمتي» أي خاصتي من أصحابي و ناصري، و قال أيضا «إن لكل نبي حواريا، و حواريّ الزبير بن العوّام».
[2]
أوّل من قال هذا المثل ضبة بن أد بن
طابخة بن إلياس بن مضر، و كان له ابنان يقال لأحدهما: سعد و للآخر سعيد، فنفرت إبل
لضبة تحت الليل، فوجه ابنيه في طلبها، فتفرّقا؛ فوجدها سعد فردّها، و مضى سعيد في
طلبها، فلقيه الحرث بن كعب، و كان على الغلام بردان، فسأله الحرث إياهما، فأبى
عليه، فقتله و أخذ برديه، فكان ضبة إذا أمسى فرأى تحت الليل سوادا قال: أسعد أم
سعيد؟
فمكث ضبة بذلك ما شاء
اللّه أن يمكث، ثم إنه حج، فوافى عكاظ، فلقي بها الحرث بن كعب، و رأى عليه بردي
ابنه سعيد فعرفهما، فقال له: هل أنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك؟ قال: بلى
لقيت غلاما و هما عليه فسألته إياهما، فأبى عليّ فقتلته و أخذت برديه هذين، فقال
ضبة: بسيفك هذا؟ قال: نعم، فقال: فأعطنيه أنظر إليه فإني أظنه صارما، فأعطاه الحرث
سيفه، فلما أخذه هزه و قال: الحديث ذو شجون أي ذو طرق جمع شجن كشمس ثم ضربه به حتى
قتله، فقيل له: يا ضبة، أ في الشهر الحرام! فقال: سبق السيف العذل، أي اللوم.