الساعة. فقلت: هذا صوت
أرويه قديما، و ما فيمن حضر أحد إلا و قد أخذه مني، و أقبلت عليه، فغناه علويه ثم
عقيد ثم مخارق، فوثب ابن جامع فجلس بين يديه و حلف بحياته و بطلاق امرأته أن اللحن
صنعه منذ ثلاث ليال، ما سمع منه قبل ذلك الوقت، فأقبل عليّ فقال: بحياتي اصدقني عن
القصة، فصدقته، فجعل يضحك و يصفّق و يقول:
لكل شيء آفة، و آفة ابن
جامع الزّفّ.
لحن هذا الصوت خفيف ثقيل
أوّل بالبنصر، و الصنعة لابن جامع من رواية الهشاميّ و غيره.
قوة حفظه و براعته في
الغناء
قال أبو الفرج: و قد
أخبرني بهذا الخبر محمّد بن مزيد، عن حماد عن أبيه بخلاف هذه الرواية، فقال فيه
قال: محمّد الزّفّ أروى خلق اللّه للغناء، و أسرعهم أخذا لما سمعه منه، ليست عليه
في ذلك كلفة، و إنما يسمع الصوت مرّة واحدة/ و قد أخذه، و كنّا معه في بلاء إذا
حضر، فكان من غنّى منا صوتا فسأله عدوّ له أو صديق أن يلقيه عليه، فبخل و منعه
إياه، سأل محمّدا الزّفّ أن يأخذه، فما هو إلا أن يسمعه مرة واحدة حتى قد أخذه و
ألقاه على من سأله، فكان أبي يبرّه و يصله و يجديه [1] من كل جائزة و فائدة تصل
إليه، فكان غناؤه عنده حمى مصونا لا يقربه، و لم يكن طيّب المسموع، و لكنّه كان
أطيب الناس نادرة، و أملحهم مجلسا، و كان مغرى بابن جامع خاصة من بين المغنّين
لبخله، فكان لا يفتح ابن جامع فاه بصوت إلا وضع عينه عليه، و أصغى [2] سمعه إليه،
حتى يحكيه، و كان في ابن جامع بخل شديد لا يقدر معه على أن يسعفه ببرّ و رفد،
و لحنه من الثقيل الأوّل، فأحسن
فيه ما شاء، و نظرت إلى الزّفّ فغمزته و قمت إلى الخلاء، فإذا هو قد جاءني، فقلت
له: أي شيء عملت؟ فقال: قد فرغت لك منه، قلت: هاته، فرده عليّ ثلاث مرات، و أخذته
و عدت إلى مجلسي، و غمزت عليه عقيدا و مخارقا، فقاما، و تبعهما فألقاه عليهما، و
ابن جامع لا يعرف الخبر، فلما عاد إلى المجلس أومأت إليهما أسألهما عنه، فعرّفاني
أنهما قد أخذاه، فلما بلغ/ الدّور إليّ كان الصوت أوّل شيء غنّيته، فحدّد الرشيد
نظره إليّ، و مات ابن جامع و سقط [5] في يده، فقال لي الرشيد: من أين لك هذا؟ قلت:
أنا أرويه