هو محمّد بن عمرو مولى بني
تميم، كوفي الأصل و المولد و المنشأ؛ و الزفّ: لقب غلب عليه، و كان مغنّيا ضاربا
طيّب المسموع، صالح الصنعة، مليح النادرة، أسرع خلق اللّه أخذا للغناء، و أصحهم
أداء له، و أذكاهم، إذا سمع الصوت مرتين أو ثلاثا أدّاه لا يكون بينه و بين من
أخذه عنه فرق، و كان يتعصب على ابن جامع، و يميل إلى إبراهيم الموصلي و ابنه
إسحاق، فكانا يرفعان منه، و يقدّمانه و يجتلبان له الرفد و الصلات من الخلفاء، و
كانت فيه عربدة إذا سكر، فعربد بحضرة الرشيد مرّة فأمر بإخراجه، و منعه من الوصول
إليه، و جفاه و تناساه، و أحسبه مات في خلافته أو في خلافة الأمين.
أخبرني بذلك ذكاء وجه
الرزة عن محمّد بن أحمد بن يحيى المكي المرتجل.
أخبرني ابن جعفر جحظة قال:
حدّثنا حماد بن إسحاق عن/ أبيه قال: غنى ابن جامع يوما بحضرة الرشيد:
فأحسن فيه ما شاء و أجمل، فغمزت
عليه محمّدا الزّفّ، و فطن لما أردت، و استحسنه الرشيد، و شرب عليه، و استعاده
مرتين أو ثلاثا، ثم قمت للصلاة و غمزت الزف و جاءني، و أومأت إلى مخارق و علّويه و
عقيد فجاءوني، فأمرته بإعادة الصوت، فأعاده و أدّاه كأنه لم يزل يرويه، فلم يزل
يكرره على الجماعة حتى غنّوه و دار لهم، ثم عدت إلى المجلس، فلما انتهى الدّور
إليّ بدأت فغنّيته قبل كلّ شيء غنّيته، فنظر إليّ ابن جامع محدّدا نظره، و أقبل
عليّ الرشيد فقال: أ كنت تروي هذا الصوت؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال ابن جامع: كذب و
اللّه، ما أخذه إلا مني
[1]
في الأصول «الرف» بالراء، و ورد في الجزء الخامس من «الأغاني» في نسب إبراهيم
الموصلي و أخباره «محمّد الزف» بالزاي، و قد يرجح هذا أن الزف و الزفيف
معناه الإسراع، و هو الملائم لما عرف عنه من أنه كان أسرع خلق اللّه أخذا للغناء و
انظر «الأغاني» ج 1 ح 2 من صفحة 306
طبع دار الكتب المصرية.