وجه
إليه مروان بن محمد جيشا لمحاربته بقيادة ابن ضبارة
فلم يزل مقيما
في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولى مروان بن محمد الذي يقال له مروان الحمار،
فوجّه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب له
ابن معاوية أصحابه و حضهم على الخروج إليه، فلم يفعلوا و لا أجابوه، فخرج على دهش
هو و إخوته قاصدين لخراسان- و قد ظهر أبو مسلم بها و نفى عنها نصر ابن سيار- فلما
صار في بعض الطريق نزل على رجل من التّنّاء [1] ذي مروءة و نعمة و جاه [2]، فسأله
معونته، فقال له: من أنت من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟ أ أنت إبراهيم
الإمام الذي يدعى له بخرسان؟
قال: لا، قال
فلا حاجة لي في نصرتك.
التجأ إلى
أبي مسلم فحبسه
فخرج إلى أبي
مسلم و طمع في نصرته، فأخذه أبو مسلم و حبسه عنده، و جعل عليه عينا يرفع إليه
أخباره، فرفع إليه أنه يقول: ليس في الأرض أحمق منكم يأهل خراسان في طاعتكم هذا
الرجل و تسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه، و
اللّه ما رضيت الملائكة الكرام من اللّه تعالى بهذا حتى راجعته في أمر آدم عليه
السلام، فقالت: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ. حتى قال لهم: إِنِّي
أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ.
كتابه إلى
أبي مسلم و هو في حبسه
ثم كتب إليه
عبد اللّه بن معاوية رسالته المشهورة التي يقول فيها: «إلى أبي مسلم، من الأسير في
يديه، بلا ذنب إليه [3] و لا خلاف عليه. أما بعد، فإنك مستودع ودائع، و مولى
صنائع؛ و إنّ الودائع مرعيّة، و إن الصنائع/ عاريّة؛ فاذكر القصاص، و اطلب الخلاص؛
و نبّه للفكر قلبك، و اتق اللّه ربّك؛ و آثر ما يلقاك غدا على ما لا يلقاك أبدا؛
فإنك لاق ما سلفت، و غير لاق ما خلّفت؛ وفقك اللّه لما ينجيك، و آتاك شكر ما يبليك
[4]».
قتله أبو
مسلم و وجه برأسه إلى ابن ضبارة
قال: فلما قرأ
كتابه رمى به. ثم قال: قد أفسد علينا أصحابنا و أهل طاعتنا و هو محبوس في أيدينا،
فلو خرج و ملك أمرنا لأهلكنا، ثم أمضى تدبيره في قتله. و قال آخرون: بل دسّ إليه
سمّا فمات منه، و وجّه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان، فأخبرني عمر بن عبد
اللّه العتكيّ قال: حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا محمد بن يحيى أنّ عبد العزيز بن
عمران حدّثه عن عبد اللّه بن الربيع عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر
مروان يوم الزاب و هو يقاتل عبد اللّه بن عليّ، فسأل عنه فقيل له: هو الشابّ
المصفرّ الذي كان يسبّ عبد اللّه بن معاوية يوم جيء برأسه إليك فقال: و اللّه لقد
هممت بقتله مرارا، كلّ ذلك يحال بيني و بينه، وَ كانَ أَمْرُ
اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.
[1]
التناء جمع تانئ: و هو الدهقان؛ زعيم فلاحي العجم، أو رئيس الإقليم.