فأمّا خبر عبد
اللّه بن طاهر في صنعته هذا الصوت، فإنّ عبد اللّه كان بمحلّ من علوّ المنزلة و
عظم القدر و لطف مكان من الخلفاء، يستغني به عن التقريظ له و الدّلالة عليه. و
أمره في ذلك مشهور عند الخاصّة و العامّة، و له في الأدب مع ذلك المحلّ الذي لا
يدفع، و في السماحة و الشجاعة ما لا يقاربه فيه كبير أحد.
فرّق خراج
مصر و قال أبياتا أرضى بها المأمون
أخبرني عليّ بن
سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد المبرّد أنّ المأمون أعطى عبد اللّه بن طاهر مال
مصر لسنة خراجها و ضياعها، فوهبه كلّه و فرّقه في الناس، و رجع صفرا من ذلك، فغاظ
المأمون فعله. فدخل إليه يوم مقدمه فأنشده أبياتا قالها في هذا المعنى، و هي:
/
نفسي فداؤك و الأعناق خاضعة
للنّائبات أبيّا غير مهتضم
إليك أقبلت من أرض أقمت بها
حولين بعدك في شوق و في ألم
أقفو مساعيك اللّاتي خصصت بها
حذو الشّراك على مثل من الأدم
فكان فضلي فيها أنّني تبع
لما سننت من الإنعام و النّعم
و لو وكلت إلى نفسي غنيت بها
لكن بدأت فلم أعجز و لم ألم
فضحك المأمون و
قال: و اللّه ما نفست عليك مكرمة نلتها و لا أحدوثة حسن عنك [1] ذكرها، و لكن هذا
شيء إذا عوّدته نفسك افتقرت و لم تقدر على لم شعثك و إصلاح حالك. و زال ما كان في
نفسه.
أتاه معلى
الطائي و مدحه فأجازه
أخبرني وكيع
قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللّه بن فرقد قال أخبرني محمد بن
الفضل بن محمد بن منصور قال:
/ لمّا افتتح
عبد اللّه بن طاهر مصر و نحن معه، سوّغه المأمون خراجها. فصعد المنبر فلم يزل حتّى
أجاز بها كلّها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها. فأتاه معلى الطائيّ و قد أعلموه ما
قد صنع عبد اللّه بن طاهر بالنّاس في الجوائز، و كان عليه واحدا، فوقف بين يديه
تحت المنبر فقال: أصلح اللّه الأمير! أنا معلّى الطائيّ، و قد بلغ منّي ما كان منك
[إليّ] [2] من جفاء و غلظ. فلا يغلظنّ عليّ قلبك، و لا يستخفّنّك الذي بلغك، أنا
الذي أقول: