و
كان الطّرمّاح يجالسه و يسمع منه، فرسخ كلامه في قلبه، و دعاه الشيخ إلى مذهبه،
فقبله و اعتقده أشدّ اعتقاد و أصحّه، حتى مات عليه.
أخبرني ابن
دريد قال حدّثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال قال رؤبة:
كان الطّرمّاح
و الكميت يصيران إليّ فيسألاني عن الغريب فأخبرهما به، فأراه بعد في أشعارهما.
أخبرني محمد بن
العبّاس اليزيديّ قال سمعت محمد بن حبيب يقول:
سألت ابن
الأعرابيّ عن ثماني عشرة مسألة كلّها من غريب شعر الطّرماح، فلم يعرف منها واحدة،
يقول في جميعها: لا أدري، لا أدري.
أخبرني أحمد بن
عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، و أخبرنا إبراهيم بن أيّوب قال
حدّثنا ابن قتيبة، قالا:
كان الكميت بن
زيد صديقا للطّرمّاح، لا يكادان يفترقان في حال من أحوالهما. فقيل للكميت: لا شيء
أعجب من صفاء ما بينك و بين الطّرمّاح على تباعد ما يجمعكما من النّسب و المذهب و
البلد [1]: هو شآمي قحطاني شاريّ، و أنت كوفيّ نزاريّ شيعيّ، فكيف اتّفقتما مع
تباين المذهب و شدّة العصبيّة؟ فقال: اتّفقنا على بغض العامّة.
قال: و أنشد
الكميت قول الطرمّاح:
/
إذا قبضت نفس الطّرمّاح أخلقت
عرى المجد و استرخى عنان القصائد
فقال: إي و اللّه!
و عنان الخطابة و الرواية و الفصاحة و الشجاعة. و قال عمر بن شبّة: «و السماحة»
مكان «الشجاعة».
وفد على مخلد
بن زياد و معه الكميت و قصتهما في ذلك
نسخت من كتاب
جدّي لأمّي يحيى بن محمد بن ثوابة- رحمه اللّه تعالى- بخطه قال حدّثني الحسن [2]
بن سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:
وفد الطّرمّاح
بن حكيم و الكميت بن زيد علي مخلد بن يزيد المهلّبيّ، فجلس لهما و دعاهما [3].
فتقدّم الطّرمّاح لينشد؛ فقال [4] له: أنشدنا قائما. فقال: كلّا و اللّه! ما قدر
الشعر أن أقوم له فيحطّ مني بقيامي و أحطّ منه بضراعتي، و هو عمود الفخر و بيت
الذّكر لمآثر العرب. قيل له: فتنحّ. و دعي بالكميت فأنشد قائما، فأمر له بخمسين
ألف درهم. فلمّا خرج الكميت شاطرها الطّرمّاح، و قال له: أنت أبا ضبينة أبعد همّة
و أنا ألطف حيلة.