و قال زهير بن
جذيمة حين قتل شأس: شأس و ما شأس! و البأس و ما البأس! لو لا مقتل شأس، لم يكن
بيننا بأس.
قال: ثم انصرف
إلى قومه، فكان لا يقدر على غنويّ إلّا قتله.
قال عبد
الحميد: فغزت بنو عبس غنيّا قبل أن يطلبوا قودا أو دية مع أخي شأس الحصين بن زهير
بن جذيمة و الحصين بن أسيد بن جذيمة ابن أخي زهير. فقيل/ ذلك لغنيّ؛ فقالت لرياح:
انج، لعلنا نصالح على شيء أو نرضيهم بدية و فداء. فخرج رياح رديفا لرجل من بين
كلاب- و زعم أبو حيّة النّميريّ أنه من بني جعد [3]- و كان معهما صحيفة فيها آراب
[4] لحم، لا يريان إلّا أنهما قد خالفا وجهة القوم، فأوجفا أيديهما في الصّحيفة
فأخذ كل و اخذ منهما و ذرة [5] ليأكلها، مترادفين لا يقدران على النزول. قال: فمرّ
فوق رءوسهما صرد [6] فصرصر، فألقيا اللحم و أمسكا بأيديهما و قالا: ما هذا! ثم
عادا إلى مثل ذلك فأخذ كل واحد منهما عظما، و مرّ الصّرد فوق رءوسهما فصرصر؛
فألقيا العظمين و أمسكا بأيديهما و قالا: ما هذا! ثم عادا الثالثة فأخذ كل واحد
منهما قطعة، فمرّ الصّرد فوق رءوسهما فصرصر، فألقيا القطعتين [7]؛ حتى فعلا ذلك
ثلاث مرات، فإذا هما بالقوم أدنى ظلم (و أدنى ظلم [8] أي أدنى شيء) و قد كانا
يظنّان أنهما قد خالفا وجهة القوم. فقال صاحبه لرياح: اذهب فإني آتي القوم أشاغلهم
عنك و أحدّثهم حتى تعجزهم ثم ماض إن تركوني. فانحدر رياح عن عجز الجمل فأخذ
[1]
سامه الأمر: كلفه إياه، و أكثر ما يستعمل في العذاب و الشر و الظلم.
[2] يكرب:
يصيبه الكرب و هو الحزن و الغم الذي يأخذ بالنفس.
[4] آراب
لحم: قطع لحم. و في «الأصول»: «أداب لحم» و هو تحريف.
[5] كذا في
«ج». و الوذرة (بالفتح و يحرك): القطعة الصغيرة من اللحم لا عظم فيها، و قيل: هي
ما قطع من اللحم مجتمعا عرضها بغير طول. و في «سائر الأصول»: «و ضرة» و هو تحريف.
[6] الصرد.
طائر أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر، نصفه أبيض و نصفه أسود، و هو من سباع الطير،
ضخم المنقار عظيم البرثن، كانت العرب تتطير من صوته.