و
كان الفضل بن الربيع يطعن عليه، فقال للأمين: إنّما يعرّض بك و يستبطئ المأمون في
محاربته؛ فأمر به فضرب خمسين سوطا و جرّ برجله، و جفاه مدّة،/ حتى ألقى نفسه على
كوثر فترضّاه له و ردّ إلى خدمته، و أمر له بخمسة آلاف دينار. فلمّا قدم المأمون
تقرّب إليه بذلك، فلم [1] يقع له بحيث يحبّ، و قال له: إنّ الملك بمنزلة الأسد أو
النار، فلا تتعرّض لما يغضبه، فإنه ربّما جرى منه ما يتلفك ثم لا تقدر بعد ذلك على
تلافي ما فرط منه [2]، و لم يعطه شيئا.
غضب الأمين
على إبراهيم الموصلي بعد موته لتقديم اسم المأمون عليه في شعره و ترضاه ابنه
إسحاق:
و مثل هذا من
فعل الأمين، ما حدّثني به محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق
قال حدّثني أبي قال:
دخلت على
الأمين فرأيته مغضبا كالحا، فقلت له: ما لأمير المؤمنين- تمّم اللّه سروره و لا
نغّصه [3]- أراه كالحائر؟ قال: غاظني أبوك الساعة لا رحمه اللّه! و اللّه لو كان
حيا لضربته خمسمائة سوط، و لو لاك لنبشت الساعة قبره و أحرقت عظامه. فقمت على رجلي
و قلت: أعوذ باللّه من سخطك يا أمير المؤمنين! و من أبي و ما مقداره حتّى تغتاظ
منه! و ما الذي غاظك فلعلّ له فيه عذرا؟ فقال: شدّة محبّته للمأمون و تقديمه إيّاه
حتّى قال في الرشيد شعرا يقدّمه فيه عليّ و غنّاه فيه، و غنّيته الساعة فأورثني
هذا الغيظ. فقلت: و اللّه ما سمعت بهذا قطّ و لا لأبي غناء إلّا و أنا أرويه، ما
هو؟ فقال: قوله:
/
أبو المأمون فينا و الأمين
له كفنان من كرم و لين
فقلت له: يا
أمير المؤمنين لم يقدّم المأمون في الشعر لتقديمه إياه في الموالاة، و لكنّ الشعر
لم يصحّ وزنه إلّا هكذا. فقال: كان ينبغي له إذ لم يصحّ الشعر إلّا هكذا أن يدعه
إلى لعنة اللّه. فلم أزل أداريه و أرفق به حتى سكن.
فلمّا قدم
المأمون سألني عن هذا الحديث فحدّثته به، فجعل يضحك و يعجب منه.
مدحه عبد
اللّه بن طاهر:
حدّثني جعفر بن
قدامة قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال:
سمعت أبي يقول:
لو خيّرت لونا من الطّعام لا أزيد عليه غيره لاخترت الدّرّاجة [4]؛ لأني إن زدت في
خلّها صارت سكباجة [5]، و إن زدت في مائها صارت إسفيدباجة باجة [6]، و إن زدت في
تصبيرها بل في تشييطها صارت
[4] الدراج
(بالضم): ضرب من طير العراق أسود باطن الجناحين و ظاهرهما أغبر، على خلقة القطا
إلا أنه ألطف. و جعله الجاحظ من أقسام الحمام لأنه يجمع فراخه تحت جناحيه كما يجمع
الحمام.
[5] السكباج:
مرق يعمل من اللحم و الخل، معرب «سكبا» مركب من «سك» أي خل، و من «با» أي طعام.
(عن كتاب الألفاظ الفارسية المعربة»).
[6]
الاسفيدباجة: لون من الطعام يتكوّن من البصل و الزبدة و من أشياء أخرى. (عن
«القاموس الفارسي الإنكليزي» لاستنجاس). و يبدو أن هذا التعريف لا يتفق مع ما يدل
عليه سياق العبارة هنا، فإنه يدل على أنها تصير ضربا من الحساء.