قال: ما قلت
هذا يا أمير المؤمنين. قال: كذبت و اللّه! أ فلست القائل:
هلك النّدى إذ بنت يا ابن محمد
فجعلته لك في التراب عديلا
و لقد سألت الناس بعدك كلّهم
فوجدت أكرم من سألت بخيلا
و لقد حلفت على يمين برّة
باللّه ما أعطيت بعدك سولا
فقال أبو
دلامة: إنّ أخاك صلّى اللّه عليه غلبني على صبري، و سلبني عزيمتي، و عزّني بإحسانه
إليّ و جزعي عليه، فقلت ما لم أتأمّله، و إني أرغب في الثمن فاستفره السّلعة حيّا
و ميّتا. فإن أعطيت ما أعطى، أخذت ما أخذ. فأمر به فحبس ثلاثا ثم خلّى سبيله و
دعاه إليه فوصله، ثم عاد له إلى ما كان عليه.
أمره روح بن
حاتم بمبارزة خارجى فخدعه:
أخبرني الحسن
بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثني أبو دلامة قال:
أتي بي المنصور
أو المهديّ و أنا سكران، فحلف ليخرجنّي/ في بعث حرب، فأخرجني مع روح بن حاتم [1]
المهلّبيّ لقتال الشّراة [2]. فلما التقى الجمعان قلت لروح: أما و اللّه لو أنّ
تحتي فرسك و معي سلاحك لأثّرت في عدوّك اليوم أثرا ترتضيه. فضحك و قال: و اللّه
العظيم لأدفعنّ ذلك إليك، و لآخذنّك بالوفاء بشرطك. و نزل عن فرسه و نزع سلاحه و
دفعهما إليّ، و دعا بغيرهما فاستبدل به. فلمّا حصل ذلك في يدي و زالت عنّي حلاوة
الطمع، قلت له: أيها الأمير، هذا مقام العائذ بك، و قد قلت بيتين فاسمعهما. قال:
هات، فأنشدته:
إني استجرتك أن أقدّم في الوغى
لتطاعن و تنازل و ضراب
فهب السّيوف رأيتها مشهورة
فتركتها و مضيت في الهرّاب
ما ذا تقول لما يجيء و ما يرى
من واردات الموت في النّشّاب
فقال: دع عنك
هذا و ستعلم. و برز رجل من الخوارج يدعو للمبارزة، فقال: اخرج إليه يا أبا دلامة.
فقلت: أنشدك
اللّه أيّها الأمير في دمي. قال: و اللّه لتخرجنّ. فقلت: أيها الأمير فإنه أوّل
يوم من الآخرة. و آخر يوم من الدنيا، و أنا و اللّه جائع ما شبعت منّي جارحة من
الجوع، فمر لي بشيء آكله ثم أخرج. فأمر لي برغيفين و دجاجة، فأخذت ذلك و برزت عن
الصفّ. فلما رآني الشاري أقبل نحوي عليه فرو و قد أصابه المطر فابتلّ، و أصابته
الشمس فاقفعلّ [3] و عيناه تقدان، فأسرع إليّ./ فقلت له: على رسلك يا هذا كما أنت،
فوقف.
فقلت: أ تقتل
من لا يقاتلك؟ قال لا. قلت: أ تقتل رجلا على دينك؟ قال لا. قلت: أ فتستحلّ ذلك قبل
أن تدعو من تقاتله إلى دينك؟ قال: لا، فاذهب عنّي إلى لعنة اللّه. قلت: لا أفعل أو
تسمع منّي. قال: قل. قلت: هل كانت بيننا قطّ عداوة أو ترة، أو تعرفني بحال تحفظك
عليّ، أو تعلم بين أهلي و أهلك وترا؟ قال: لا و اللّه.
[1]
هو روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، ولي إفريقية و البصرة و غيرهما، و
كان جليلا شجاعا جوادا.