أبو دلامة زند
بن الجون. و أكثر الناس يصحّف اسمه فيقول «زيد» بالياء، و ذلك خطأ، و هو زند
بالنون.
و هو كوفيّ
أسود، مولى لبني أسد. كان أبوه عبدا لرجل منهم يقال له فضافض فأعتقه. و أدرك آخر
أيّام بني أميّة، و لم يكن له في أيّامهم نباهة، و نبغ في أيام بني العبّاس، و
انقطع إلى أبي عبّاس و أبي جعفر المنصور و المهديّ، فكانوا يقدّمونه و يصلونه و
يستطيبون مجالسته و نوادره. و قد كان انقطع إلى روح بن حاتم المهلّبيّ أيضا في بعض
أيّامه. و لم يصل إلى أحد من الشعراء ما وصل إلى أبي دلامة من المنصور خاصّة. و
كان فاسد الدّين، رديء المذهب، مرتكبا للمحازم، مضيّعا للفروض، مجاهرا بذلك، و
كان يعلم هذا منه و يعرف به، فيتجافى عنه للطف محلّه.
أول شعر عرف
به:
و كان أوّل ما
حفظ من شعره و أسنيت/ الجوائز له به قصيدة مدح بها أبا جعفر المنصور و ذكر قتله
أبا مسلم. فأخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن داود بن
الجرّاح عن محمد بن القاسم عن أحمد بن حبيب قال: لمّا قال أبو دلامة قصيدته في قتل
أبي مسلم التي يقول فيها:
أبا مسلم خوّفتني القتل فانتحى
عليك بما خوّفتني الأسد الورد
أبا مسلم ما غيّر اللّه نعمة
على عبده حتى يغيّرها العبد
أنشدها المنصور
في محفل من الناس، فقال له: احتكم. قال: عشرة آلاف درهم، فأمر له بها. فلمّا خلا
به قال له: إيه!! أما و اللّه لو تعدّيتها لقتلتك.
أخبرني أحمد بن
عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن مسلم عن أبيه: سمّى لي أبو دلامة نفسه
زندا (بالنون) ابن الجون. و أسلم مولاه فضافض، و له أيضا شعر، و كان في الصّحابة.
أعفاه
المنصور من لبس السواد و القلانس دون الناس:
أخبرني الحرميّ
بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني جعفر بن الحسين المهلّبيّ
قال:
كان أبو جعفر المنصور
قد أمر أصحابه بلبس السّواد و قلانس طوال تدعم بعيدان من داخلها، و أن يعلقوا
السّيوف في المناطق، و يكتبوا على ظهورهم: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزّيّ. فقال له أبو جعفر: ما
حالك؟ قال: شرّ حال، وجهي في نصفي، و سيفي في استي، و كتاب اللّه وراء ظهري، و قد
صبغت بالسّواد ثيابي، فضحك منه و أعفاه وحده من ذلك، و قال له: إيّاك أن يسمع هذا
منك أحد.
و نسخت من كتاب
لابن النطّاح فذكر مثل هذه القصة سواء و زاد فيها: