قال
له فتيان من عجل: هذا رؤبة بالمربد [1] يجلس فيسمع شعره و ينشد الناس و يجتمع إليه
فتيان من بني تميم، فما يمنعك من ذلك؟ قال: أو تحبّون هذا؟ قالوا نعم. قال: فأتوني
بعسّ [2] من نبيذ فأتوه به، فشربه ثم نهض و قال:
إذا اصطبحت أربعا عرفتني
ثم تجشمت الذي جشّمتني
فما رآه رؤبة
أعظمه و قام له عن مكانه و قال: هذا رجّاز العرب. و سألوه أن ينشدهم فأنشدهم:
الحمد للّه الوهوب المجزل
و كان إذا أنشد
أزبد و وحش بثيابه (أي رمى بها). و كان من أحسن الناس إنشادا. فلما فرغ منها قال
رؤبة:
هذه أمّ
الرّجز. ثم قال: يا أبا النّجم، قد قرّبت مرعاها إذ جعلتها بين رجل و ابنه. يوهم
عليه رؤبة أنه حيث قال:
أنه يريد نهشل
بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم. فقال له أبو النّجم: هيهات! الكمر [4]
تشابه. أي إني إنما أريد مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ
بن بكر بن وائل. و نهشل قبيلة من ربيعة و هؤلاء يرعون الصّمّان [5]/ و عرض
الدّهناء. قال أبو عمرو: و كان سبب ذكر هاتين القبيلتين (يعني بني مالك و نهشل)
أنّ دماء كانت بين بني دارم و بني نهشل و حروبا في بلادهم، فتحامى جميعهم الرّعي
فيما بين فلج [6] و الصّمّان مخافة أن يعرّوا [7] بشرّ حتى عفا [8] كلؤه و طال،
فذكر أنّ بني عجل جاءت لعزّها إلى ذلك الموضع فرعته و لم تخف من هذين الحيّين،
ففخر به أبو النّجم. قال: و يدلّ على ذلك قول الفرزدق:
[4] الكمر:
جمع كمرة، و هي رأس الذكر. يريد أن الرجال اختلطت عليك. و قد صار هذا مثلا، و لفظه
«الكمر أشباه الكمر».
[5] الصمان:
أرض فيها غلظ و ارتفاع، و فيها قيعان واسعة و رياض معشبة، و إذا أخصبت ربعت العرب
جميعا. و كان الصمان في قديم الدهر لبني حنظلة، و الحزن لبني يربوع، و الدهناء
لجماعتهم، و الصمان متاخم للدهناء و العرض: الوادي.