قصته
مع ابن بُسخُنَّر و جاريته شارية و مخارق و علوية:
/ أخبرني عليّ
بن إبراهيم الكاتب قال حدّثنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن خرداذبه قال حدّثني محمد
بن الحارث بن بُسخُنَّر قال:
وجّه إليّ
إبراهيم بن المهديّ يوما يدعوني، و ذلك في أوّل خلافة المعتصم، فصرت إليه و هو
جالس وحده و شارية جاريته خلف السّتارة، فقال: إني قلت شعرا و غنّيت فيه و طرحته
على شارية فأخذته و زعمت أنّها أحذق به منّي، و أنا أقول/ إني أحذق به منها، و قد
تراضينا بك حكما بيننا لموضعك من هذه الصناعة، فاسمعه منّي و منها و احكم و لا
تعجل حتى تسمعه ثلاث مرّات. فقلت نعم. فاندفع يغنّي بهذا الصوت:
أضنّ بليلى و هي غير سخيّة
و تبخل ليلى بالهوى و أجود
فأحسن و أجاد.
ثم قال لها: تغنّي، فغنّته فبرّزت فيه حتى كأنه كان معها في أبيجاد، و نظر إليّ
فعرف أنّي قد عرفت فضلها عليه، فقال: على رسلك! و تحدّثنا ساعة و شربنا. ثم اندفع
فغنّاه ثانية فأضعف في الإحسان، ثم قال لها: تغنّي، فغنّت فبرت و زادت أضعاف
زيادته، و كدت أشقّ ثيابي طربا. فقال لي: تثبّت و لا تعجل. ثم غنّاه ثالثة فلم يبق
غاية في الإحكام، ثم أمرها فغنّت، فكأنه إنما كان يلعب. ثم قال لي: قل، فقضيت لها؛
فقال: أصبت، فكم تساوي عندك؟ فحملني الحسد له عليها و النّفاسة بمثلها أن قلت:
تساوي مائة ألف درهم.
فقال: أ و ما
تساوي على هذا الإحسان و هذا التّفضيل إلّا مائة ألف! قبح اللّه رأيك! و اللّه ما
أجد شيئا أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك، قم فانصرف إلى منزلك مذموما. فقلت له: ما
لقولك اخرج من منزلي جواب، و قمت و انصرفت، و قد أحفظني كلامه و أرمضني [1]. فلمّا
خطوت خطوات التفتّ إليه فقلت له: يا إبراهيم! أ تطردني من منزلك! فو اللّه ما تحسن
أنت و لا جاريتك شيئا. و ضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم بعد ذلك و هو
بالوزيريّة في قصر التّل [2]، فدخلت أنا و مخارق و علّويه، و إذا أمير المؤمنين
مصطبح و بين يديه ثلاث جامات:
جام قضّة
مملوءة دنانير جددا، و جام ذهب مملوءة دراهم جددا، و جام قوارير مملوءة عنبرا،
فظننّا أنها لنا بل لم نشكّ في ذلك، فغنّيناه و أجهدنا/ أنفسنا، فلم يطرب و لم
يتحرّك لشيء من غنائنا. و دخل الحاجب فقال:
إبراهيم بن
المهديّ. فأذن له فدخل، فغنّاه أصواتا أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته و هو:
ما بال شمس أبي الخطّاب قد غربت
يا صاحبيّ أظنّ الساعة اقتربت
فاستحسنه
المعتصم و طرب له، و قال: أحسنت و اللّه! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين فإن كنت
أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيّتها شئت، فأخذ التي فيها الدنانير؛
فنظر بعضنا إلى بعض. ثم غنّاه إبراهيم بشعر له و هو: