فائدة النفس الدراكة يمتنع أن تفسد بفساد البدن و تموت بموته، لأنّا
نعنى بالنفس الدراكة الجوهر الّذي تفيض منه الحياة في آلتها، و هى الجسم الّذي
يقال له إنّه ذو نفس. فلا شكّ أنّ الأجسام ليست حيّة لذواتها و لا بذاتها، لأنّه
لو كانت الأجسام حيّة بذاتها لكان كلّ جسم حيّا و يمتنع عليها أن تموت أبدا، و ليس
كذلك، فإنّ الحياة تفارق الأجسام. و النفس حيّة بذاتها و يحيى بها غيرها. و كلّ ما
كان حياته لذاته يستحيل عليه الموت دائما. فاذن تبيّن أنّ الأجساد ميّتة بذاتها
حيّة بغيرها، و النفوس حيّة بذاتها ميّتة بغيرها، و هى الأجساد. فاذا فارقت
الأجساد تحيى بذاتها، كما أنّ الأجساد إذا فارقت النفوس تموت بموتها.
النفس تصير عالما عقليا
فائدة متى صارت النفس بحيث تدرك الأشياء بأوصافها، و أدركت الأوصاف
مجردة عن موصوفاتها، و الموصوفات مجرّدة عن أوصافها، و أدركت إدراكها فقد صارت
عالما عقليّا، و ترفّعت عن إطلاق اسم النفس عليها، بل الأولى بها أن تسمّى باسم
العقل، و ليست بعد هذه الرتبة رتبة اخرى.