و أمّا في الحجّة الثانية، فلا يلزم من كون العلم و القدرة قائمين
بجزء من البدن كون باقى الأجزاء ميتا، بل يلزم أن لا يوصف سائر الأجزاء بالعلم و
القدرة.
و الالزام بكون العرض الواحد حالّا في المحالّ الكثيرة غير وارد
عليهم. لأنّهم يجوّزون ذلك. و أبو على يقول بكون كلّ حسّ قوّة حالّة في عضو يمكن
قسمته إلى أجزاء كثيرة، و كذلك القدرة. و لكنّ الاحساس و استعمال القدرة يكون
للنفس خاصّة بواسطتها. أمّا على إثبات النفس الناطقة فيستدلّ بالعلم على ما مرّ و
بغيره من الدلائل المذكورة في كتبه.
قال:حجّة النفاة أنّ المدرك للجزئيّات هو البدن، فالمدرك للكليّات هو
البدن. بيان الأوّل أنّا نعلم بالضرورة أنّا نحسّ الحرارة بإصبعنا إذا لمسنا
النار، و إنكاره مكابرة. بيان الثانى من وجهين:
الأوّل أنّا إذا أحسسنا بحرارة جزئية أمكننا حمل الحرارة الكليّة عليها.
و الحامل للكلّي على الجزئى مدرك لهما. ضرورة أنّ التصديق مسبوق
بالتصوّر.
و إذا كان المدرك للجزئيّات هو البدن كان المدرك للكليّات هو
البدن، إلّا أن يقال:
البدن مدرك للجزئيات فقط، و النفس مدركة لهما معا. لكنّه باطل،
لأنّه يكون حينئذ الانسان مدركا للجزئيّات مرّتين.
الثانى أنّ الماهيّة التى عرضت لها أنّها كلّية جزء من الجزئى،
لأنّ الانسان جزء من هذا الانسان. و من أدرك المركّب فقد أدرك المفرد. و من أدرك
هذا الانسان فقد أدرك الانسان لا محالة، و الانسان كلى، و لا يندفع هذا إلّا بأن
يقال: المدرك من هذا الانسان ليس المركّب، بل أحد قيديه، و هو كونه هذا. لكنّه
باطل، أمّا أوّلا فلأنّا دللنا على أنّ التعيّن لا يجوز أن يكون وصفا وجوديّا
زائدا، و إلّا لزم التسلسل. و إذا لم يكن التعيّن وجوديّا استحال أن يكون متعلّق
الابصار. و أمّا ثانيا فلأنّ متعلّق الحسّ اذا كان مجرّد التعيّن، و مجرّد التعيّن
أمر واحد في جميع المعيّنات، فما هو متعلّق الحسّ من المعيّنات أمر واحد في الكلّ،
فوجب أن لا يحسّ