و إن لم يقع قال: انا ما عنيت هذا الوقت، بل سيقع بعد ذلك. فقوله
تعالى:
«المغُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ»من هذا الباب.
سلمنا انّه اخبر عن الغيب على سبيل التفصيل. فلم قلت: إنّه معجز، و الدليل عليه
انّ المحدثين رووا في كتب دلائل النبوّة انّ قسّا و سطيحا اخبرا عن احوال محمّد بن
عبد اللّه عليه السّلام، مع انّهما ما كانا من الأنبياء فعلمنا انّ الكاهن قد يخبر
عن الغيب، و كذا المعبّرون يخبرون عن الغيوب المفصّلة بناء على الرؤيا، و كذا
المنجّمون و اصحاب العزائم. و إذا كان كذلك لم يكن ذلك معجزا.
أقول: أورد دلائل و طرقا كثيرة على النبوّة، و سيذكر في الجواب أنّ المعتمد
هو ظهور القرآن على يده. و الحقّ أنّ الامارات الظنيّة إذا تواترت أدّت إلى حكم العقل
جزما بما توافقت عليه في إثباته، و ذلك كالتجربيّات المعدودة في الضروريّات.
فايراد الدلائل التي ذكرها بمثابة التجارب المؤدّية إلى حكم جزم يقينيّ، فهي و إن
كانت آحادها غير معتمد عليها، لكنّها بالجملة تؤدّى إلى حكم يقينيّ، و ان لم تكن
تصلح لأن يناظر بها و عليها لانّها تجري مجرى القضايا الّتي هي مبادى الأقيسة
الّتي لا يمكن أن تثبت بحجّة او برهان.
قال:ثمّ نقول: إن كان ما ذكرته دالّا علي ظهور المعجز على يده، فمعنا
ما يدلّ على أنّه ممتنع، و بيانه هو أنّه لو جاز انخراق العادة عن مجاريها لجاز أن
ينقلب الجبل ذهبا ابريزا، و البحر دما عبيطا، و أن ينقلب ما في البيت من الأمتعة
اناسا فاضلين. و معلوم أنّ تجويزه يقدح في البديهيّات.
أقول: أمّا انخراق العادة فليس ممّا ينكره المتكلّمون، لأنّه جائز مع القول
بالفاعل المختار و لا ممّا ينكره الحكماء، لأنّهم يقولون بأنّ للنفوس الزكيّة قوى
ربّما تؤثّر في أكثر الأجسام التي في عالم الكون و الفساد.
قال:سلّمنا ظهور المعجزة علي يده، فلم قلت إنّ كلّ من كان كذلك كان
رسولا. تقريره أنّ الاستدلال بظهور المعجز على الرسالة يتوقّف على مقامات