و كلّ من كان كذلك فهو نبيّ و رسول. و إنّما قلنا: إنّه ادّعى
النبوّة فللتواتر.
و إنّما قلنا إنّه أظهر المعجزة فلثلاثة أوجه: أحدها أنّه أتى
بالقرآن، و القرآن معجز. أمّا أنّه أتى بالقرآن و لم يأت به غيره فبالتواتر. و
أمّا أنّه معجز. فلأنّه تحدّى الفصحاء بمعارضته و هم عجزوا عنها، و ذلك يدلّ على
كونه معجزا. و ثانيها أنّه نقل عنه معجزات كثيرة، نحو إشباع الخلق الكثير من
الطعام القليل، و نبوع الماء من بين أصابعه، و مكالمة الحيوانات العجم. فكلّ واحد
منها و إن لم يبلغ مبلغ التواتر، لكنّ التواتر يدلّ على صحّة واحد منها. و أيّ
واحد منها صحّ حصل الغرض. و ثالثها أنّه أخبر عن الغيب، و الاخبار عن الغيب معجز.
و إنّما قلنا:
«إنّمن ادّعى النبوّة و اظهر المعجز على يده كان نبيّا» لأنّ الرجل إذ
قام في المحفل العظم فقال: إنّي رسول اللّه هذا الملك إليكم، ثمّ قال: يا أيّها
الملك إن كنت صادقا في مقالتي فخالف عادتك و قم عن مكانك. فمتى قام الملك اضطرّ
الحاضرون إلى صدقه. فكذا هاهنا.
الطريق الثاني:في إثبات نبوّته، عليه السّلام، الاستدلال بأخلاقه و أفعاله و
أحكامه و سيره، فانّ كلّ واحد منها و إن كان لا يدلّ على النبوّة، لكن مجموعها
ممّا يعلم قطعا أنّه لا يحصل إلّا للأنبياء. و هذه طريقة اختارها الجاحظ و ارتضاها
الغزالي في كتابه «المنقذمن الضلال».
الطريق الثالث:إخبار الأنبياء المتقدّمين في كتبهم السماويّة عن نبوّته.
فهذه مجامع أدلّة نبوّته عليه السّلام، و الاستقصاء فيها مذكور في
المطولات.
أقول: إعجاز القرآن على قول قدماء المتكلّمين و بعض المحدّثين في فصاحته، و
على قول بعض المتأخّرين في صرف عقول الفصحاء القادرين على المعارضة عن إيراد
المعارضة. قالوا: كلّ أهل صناعة اختلفوا في تجويد تلك الصناعة، فلا محالة يكون
فيهم واحد لا يبلغ غيره شأوه، و عجز الباقون عن معارضته. و لا يكون ذلك معجزا له،
لأنّ ذلك لا يكون خرقا للعادة، لكن صرف عقول أقرانه القادرين على