للانحلال، و كلّ بسيط و كلّ جزء يفرض فيه يمكن أن يحصل على الموضع
الّذي حصل عليه الجزء الآخر، و كلّ ما كان كذلك كان قابلا للحركة. و كلّ ما كان
كذلك ففيه ميل يحرّكه، و كلّ ما كان كذلك فهو متحرك بالاستدارة.
و كلّ متحرك بالاستدارة فحركته ليست بطبيعيّة، و إلّا لتحرّك
بالطبع عمّا عنه تحرك بالطبع، فيكون الطبيعة الواحدة طالبة للشيء الواحد و هاربة عنه،
و هو محال، و لا قسرية، لأنّ القسر ما يكون على خلاف الطبع، و هناك لا طبع، فلا
قسر، فتلك الحركة إراديّة. فالسماء حيوان متحرك بالارادة. و الجواب عن هذه
الكلّيّات مستقصى في كتبنا الكلاميّة و الحكميّة.
أقول: إنّما بنى الفلاسفة إثبات الجهات و محدّدها على القول بتناهى الأبعاد
و قالوا: لمّا كانت الأبعاد متناهية فالاشارة الحسيّة لا يمكن أن تذهب إلى غير
النهاية، و لا المتحرّك القاصد جهة و لوجوب كون المشار إليه بالحسّ موجودا تكون
الجهة موجودة، و كلّ موجود قابل للاشارة فامّا أن يكون جسما او جسمانيا. و لا يجوز
أن تكون الجهة جسما، لأنّ كلّ جسم قابل للتجزية.
و لا شيء من الجهة بقابلة لها، لما ذكره. فاذن الجهة جسمانيّة غير
قابلة للقسمة.
و كلّ جهة تشتمل على مأخذين ضرورة. و الجسم الّذي يتحدّد به الجهة لا
يجوز أن يتركّب من أجزاء مختلفة لكونها مختلفة الجهات و وجوب كون الجهات متقدّمة
على أجزائها ثمّ عليها. فاذن المحدّد يكون بسيطا في نفسه متشابها في شكله، و لا
متشابه في الشكل غير الكرة، فاذن هو كرة. و لا يمكن أن يحدّد ما هو خارج عنه،
لاحتياجه في التعلّق بما هو خارج عنه إلى الجهة المتقدّمة عليها.
فاذن يحدّد ما هو داخل فيه، و لا تميّز فيما هو داخل فيه باعتبار
الجهة إلّا بالمركز او بالمحيط. فاذن يتحدّد به جهتان هما مأخذا امتداد واحد، لا
غير، و هما العلو و السفل، و ما عداهما لا يكون متميّزا بالطبع، بل إن كان فيها
امتياز كان بالعرض، كاليمين و الشمال. و بساطة المحدّد يمكن أن يبيّن بما قلنا، و
إن كان بيانها بامتناع