أقول: نقل عنه أنّ الوحدة تنقسم إلى وحدة بالذات غير مستفادة من الغير، و
هى التى لا تقابلها كثرة، و هو المبدأ الأوّل و إلى وحدة مستفادة من الغير، و هي
مبدأ الكثرة و ليست بداخلة فيها، بل يقابلها الكثرة، ثمّ تتألف منها الأعداد و هي
مبادى الموجودات. و إنّما اختلفت الموجودات في طبائعها، لاختلاف الأعداد بخواصّها.
و في شرح ما ذكره طول ليس فيه فائدة زائدة.
قال: و أما القسم الرابع، و هو أن يقال: «العالمقديم الصفات،
محدث الذات»
فذلك ممّا لا يقوله عاقل. و أمّا جالينوس فانّه كان متوقّفا في
الكلّ.
دليل المصنف على ان العالم محدث الذات و الصفات
لنا: لو كانت الأجسام أزليّة لكانت في الأزل إمّا متحركة او ساكنة،
و القسمان باطلان، فالقول بأزليّتها باطل. بيان الحصر أنّ الجسم إن كان مستقرّا في
مكان واحد أكثر من زمان واحد فهو الساكن، و إن لم يستقر كذلك كان متحرّكا.
و إنّما قلنا، إنّه لا يجوز أن يكون متحرّكا، لوجهين: الأوّل أنّ
في ماهيّة الحركة حصول أمر بعد فناء غيره، فماهيّتها تقتضى المسبوقية بالغير، و
الأزليّة ماهيّتها تقتضى اللامسبوقيّة بالغير، فالجمع بينهما متناقض. الثانى و هو
أنّ كلّ واحد من الحركات محدث، فهو مفتقر إلى موجد، و كلّ ما كان واحد منه مفتقرا
إلى الموجد فكلّه مفتقر إلى الموجد. فلكلّ الحركات موجد مختار و كلّ ما كان فعلا
لفاعل مختار فلا بدّ له من أوّل، فلكلّ الحركات أوّل، و هو المطلوب.
و انّما قلنا، ليست ساكنة، لوجهين: الاوّل: أنّها لو كانت ساكنة،
لكانت إمّا أن يصحّ عليها الحركة، او لا يصحّ الأوّل محالّ، لأنّ صحّة الحركة
عليها تتوقّف على صحّة وجود الحركة في نفسها، و قد دللنا على أنّ وجود الحركة
الأزليّة