هذه رسالة اخترعها المولى السعيد المحقق العلامة افضل المتاخرين نصير
الحق و الدين الطوسى، رحمه اللّه، في العلل و المعلولات.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
مسئلة:
قالت الحكماء: «المبدأ الاوّل لجميع الموجودات واحد، تعالى ذكره، و أنّ الواحد لا يصدر عنه
الا واحد».
قيل لهم: فان كان هكذا وجب أن يكون معلولاته، واحدا بعد واحد،
متسلسلة إلى المعلول الآخر و حينئذ لا يمكن أن يوجد شيئان إلّا و يكون أحدهما
علّة للآخر، بوسط او بغير وسط.
قالوا: إنّما قلنا: إنّ الواحد لا يصدر عنه من جهة واحدة إلّا واحد.
أمّا إذا تكررت الجهات فقد يصدر عنه من تلك الجهات كثرة و لا يكون ذلك مناقضا لقولنا:
«لا يصدر عنه إلّا واحد».
قالوا: و المعلول الأوّل الّذي هو عقل أوّل فيه جهات كثيرة: إحداها
وجوده الصادر عن المبدأ الأوّل، و الثانى ماهيّته التى يقتضيها غيريّته للأوّل، و
الثالث علمه بالأوّل، و الرابع علمه بذاته.
قالوا: و يمكن أن يصدر عنه من هذه الجهات أربعة اشياء: عقل ثانى و
هيولى، و صورة، يتركّب عنهما فلك هو أعظم الأفلاك و نفس تدبر ذلك الفلك و تحرّكه.
ثم يصدر عن ذلك العقل عقل، و فلك، و نفس و هكذا إلى أن يصير العقول عشرة، و
الأفلاك تسعة و يصدر عن العقل الآخر هيولى عالم الكون و الفساد، و الصور المتعاقبة
فيها على تفصيل ذكروه.
قيل لهم: هذه الجهات التى في العقل الأوّل إن كانت موجودات متغايرة
فقد صدر عن المبدأ الأوّل كثرة و إن لم تكن موجودات فكيف يعقل صدور أشياء، عن
شيء واحد، من جهات لا وجود لها. ثم إنّكم تقولون: إنّ الافلاك،