و لا حاجة إليها، و أن ليس ثمّ علم ينبغى أن يفنى فيه العمر إلّا ذلك
العلم الّذي يحسنه هو، لا غير، كان ذلك علما فلسفيّا او وضعيّا. و كثيرا ألقوا
ردودا على علوم لا يحسنونها. و بالجملة، فإنّ هذا المرض له عرض واسع جدّا. و عند
تأمّلك كلام الشخص بعين الانصاف يتبيّن لك قدر مرضه هذا، و هل الشخص قريب من الصحّة
او قريب من العطب.
و هذا جالينوس الطبيب قد لحقه من هذا المرض ما لحق القوم الّذي هم
قبله في العلم. و ذلك أنّ هذا الرجل مهر في الطبّ حدّا أكثر من كلّ ما سمعنا خبره
او رأينا كلامه. و كذلك أصاب من التشريح إصابة عظيمة و تبيّن له و تبيّن في زمانه
لغيره أيضا من أفعال الأعضاء و منافعها و خلقتها و من أحوال بعض الأشياء ما كانت
تبيّنت في زمان. و هو بلا شكّ، أعنى جالينوس، ارتاض في الرياضيّات و قرأ المنطق، و
قرأ كتب أرسطو في الطبيعيّات و الالهيّات، لكنّه مقصّر في جميع ذلك. و لجودة ذهنه
و ذكائه الّذي صرفه إلى الطبّ و كونه. و جلّ ما عرفه هو من أحوال النبض و التشريح
و المنافع و الأفعال، أصحّ ممّا ذكره أرسطو في كتبه و لا شكّ عند من ينصف في ذلك،
فدعاه ذلك إلى الكلام في امور هو مقصّر فيها جدّا. و تضارب المهرة فيها، فيردّ على
ارسطو في المنطق، و يتكلّم في الالهيّات و الطبيعيّات. ككلامه فيما يعتقد رأيا،
فيسفه. و انتهى به ذلك إلى أن ألف كتابه المشهور في آراء سقراط و افلاطون، و كتابا
يتضمّن الردود على ارسطو.
قال الامام الطوسى، بعد مطالعة هذه الرسالة «أمّا بيان المرض الّذي لا يكاد
أن يسلم منه أحد من الأمراض النفسانيّة، فهو كما ذكره. و هو الّذي يسمّى بالعجب. و
لا يسلم منه إلّا قليل من الناس. و إليه أشار نبيّنا عليه السّلام:
«لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشدّ من ذلك: العجب، العجب».