أقول: انّهم يقولون: «الواحد لا يصدر عنه الّا الواحد» لا مطلقا، بل من حيثية واحدة. أمّا من
حيثيّتين مختلفتين فقد يجوز. و المبدأ الأوّل لا يكون فيه حيثيّتان، فلا يجوز أن
يكون مبدأ الشيئين. أمّا معلوله فقد يمكن أن يكون فيه حيثيّات: أحدها منه وحده. و
ثانيها من الأوّل وحده. و ثالثها منهما معا. و أيضا لا يقولون: انّ الامكان علّة
لوجود شيء، بل قالوا: إنّ المبدأ الأوّل يمكن أن يكون بشرط امكان معلوله علّة
لشيء، و بشرط وجود معلوله علّة لشيء آخر، و بشرطهما معا علّة لشيء ثالث. و
الشروط لا يجوز أن تكون عدميّة، كما مرّ.
و أمّا قوله «الامكانات متساوية» فغير معقول، لأنّها تختلف باختلاف الماهيّات و تكون بعيدة
قريبة. و بالجملة يقع على الممكنات بالتشكيك. و المعلولات كلّما تبعد عن المبدأ
الأوّل تزداد فيها الكثرة الاعتباريّة. و بالجملة، فالذى أورد المصنّف عليهم ليس
بوارد، و ابطال هذه القواعد انّما يتأتى باثبات حدوث ما سوى المبدأ الأوّل، كما
مرّ.
قال:
مسألة في شرح قولهم في القضاء و القدر
زعموا أنّ الموجود امّا خير محض، كالعقول و الأفلاك، او الخير غالب
عليه كما في هذا العالم، فانّ المرض و ان كان كثيرا لكنّ الصّحة اكثر، و لمّا لم
يعقل ايجاد ما في هذا العالم مبرّءا عن الشرور بالكليّة، و كان ترك الخير الكثير
لأجل الشرّ القليل شرّا كثيرا، أوجبت الحكمة ايجاده، فلا جرم الخير و الشرّ
مرادان، لكنّ الخير مرضى به و الشرّ مراد بالضرورة و مكروه بالذات. و هذه القاعدة
قد تكلّمنا عليها في «شرحالاشارات».
أقول: هذا نقل مطلق، ليس فيه كلام، الّا انّ ذلك مبنىّ على جواز تعليل
افعال واجب الوجود. و فيه ما فيه.