و سقط اللواء من يده، فأخذه أخ له يقال له
مصعب، فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله، ثم أخذ اللواء عبد لهم يقال له: صواب، و كان
من أشد الناس، فضربه علي (ع) على يمينه فقطعها، فأخذ اللواء بيده اليسرى فضربه
عليّ (ع) على يده اليسرى فقطعها، فأخذ اللواء على صدره و جمع يديه المقطوعتين
عليه، فضربه علي (ع) على أمّ رأسه فسقط صريعا و انهزم القوم ...
و في النكسة التي اصابت المسلمين في هذه
الغزوة لتخلفهم عن أوامر رسول الله (ص) و تركهم للموضع الاستراتيجي على الجبل و
انشغالهم بجمع الغنائم، كان الامام علي (ع) هو الذي أعاد لهم العزّة و الكرامة ...
فبعد ان هجم قائد فيلق الشرك- آنذاك- خالد بن
الوليد على المسلمين من الخلف مغتنما فرصة انشغالهم بجمع الغنائم، و قتل الكثير من
المسلمين، انهزم المسلمون و اخذوا يصعدون الجبال فرارا ...
و هو ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: (... إِذْ
تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي
أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ...) (آل عمران: 3/ 153)
لم يبق مع رسول الله (ص) الا ابو دجانة، سماك
بن خرشة، و سهل بن حنيف، و أمير المؤمنين علي (ع) ...
و لنقرأ ما رواه عكرمة عن علي (ع) و هو يصف
هذا الموقف الرهيب: (... لمّا انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (ص) لحقني من
الجزع عليه ما لم أملك نفسي، فكنت امامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم
أره، فقلت: ما كان رسول الله (ص) ليفرّ، و ما رأيته في القتلى، فأظنه رفع من
بيننا، فكسرت جفن سيفي، و قلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتى أقتل، و حملت على القوم
فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله (ص) و قد وقع على الأرض مغشيّا عليه، فقمت على رأسه،
فنظر إليّ، فقال: ما صنع الناس يا علي؟! فقلت: كفروا يا رسول الله، و ولّوا، و
أسلموك.
فنظر الى كتيبة قد أقبلت فقال (ص): ردّ يا
عليّ عني هذه الكتيبة.
فحملت عليها بسيفي أضربها يمينا و شمالا حتى
ولّوا الادبار.
فقال لي النبيّ: أ ما تسمع مديحك في السّماء؟،
إن ملكا يقال له: رضوان ينادي: «لا سيف الا ذو الفقار و لا فتى الا علي»، فبكيت
سرورا و حمدت الله على نعمه).
و رجع المنهزمون من المسلمين الى النبي، و
انصرف المشركون الى مكة، و انصرف النبي الى المدينة، فاستقبلته فاطمة (ع) و معها
إناء فيه ماء، فغسلت به وجهه، و لحقه امير المؤمنين (ع) و معه ذو الفقار و قد خضب
الدّم يده الى كتفه، فقال لفاطمة (ع): خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم، و قال:
أ فاطم هاك
السيف غير ذميم
فلست برعديد
و لا بمليم
لعمري لقد
أعذرت في نصر أحمد
و طاعة رب
بالعباد عليم
و قال رسول الله (ص): خذيه يا فاطمة فقد أدّى
بعلك ما عليه، و قد قتل اللّه بسيفه صناديد قريش.