وأمّا إدراك النفس ذاتها وهويّتها فلا يفتقر إلى توسّط الآلة ؛ لكونه حضوريّا لا حصوليّا وارتساميّا ، مضافا إلى ما يقال من أنّ إدراك الجزئيّات المادّيّة محتاج إلى الآلة دون الجزئيّات المجرّدة ، والنفس من الجزئيّات المجرّدة [١].
المسألة الثانية عشرة : في قوى النفس.
قال : ( وللنفس قوى تشارك بها غيرها ، هي الغاذية والنامية والمولّدة ).
أقول : لمّا كان البدن آلة للنفس في أفاعيلها المنوطة به كان صلاحها بصلاحه. ولمّا كان البدن مركّبا من العناصر المتضادّة ، وكان تأثير الجزء الناريّ فيه الإحالة ، احتيج في بقائه إلى إيراد بدل ما يتحلّل منه ، فاقتضت حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوّة يمكنها بها استخلاف ما ذهب بما يأتي ، وذلك إنّما يكون بالغذاء ، وهي الغاذية.
ثمّ لمّا كان البدن أوّل خلقته محتاجا إلى زيادة في مقداره على تناسب في أقطاره بأجسام تنضمّ إليه من خارج ، وجب في حكمته تعالى جعل النفس ذات قوّة يمكنها بها تحصيل جواهر قابلة للتشبّه بالبدن منضمّة إليه على تناسب في أقطاره ، وهي النامية.
ثمّ لمّا كان البدن ينقطع ويعدم ويعرض الموت ، واقتضت عناية الله تعالى الاستحفاظ لهذا النوع وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوّة تحيل بعض الجواهر المستعدّة لقبول الصورة الإنسانيّة الى تلك الصورة ، وهي القوّة المولّدة. فكانت النفس ذات قوى ثلاث : الغاذية ، والنامية ، والمولّدة.
وهذه القوى مشتركة بين الإنسان والحيوان العجم والنبات.
والغاذية هي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المتغذّي ليخلف بدل ما يتحلّل.
[١] انظر : « شرح المقاصد » ٣ : ٣٣٦ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٠٥.