وأبطله الشيخ بأنّ هناك كونا وفسادا وامتزاجا والمزاج إنّما يكون عند بقاء الممتزجات ، وبأنّ الكاسر باق عند انكسار الكيفيّات.
ونقض ما ذكروه بوروده عليهم ؛ لأنّ مذهبهم أنّ الجزء الناريّ تبطل ناريّته عند امتزاجه ويتّصف بالصورة اللحميّة ، فيجوز عروض هذا العارض للنار البسيطة ، فإن شرطوا التركيب كان هو جوابنا ، فلا بدّ من كون صور البسائط محفوظة [١].
قال : ( ثمّ تختلف الأمزجة في الإعداد بحسب قربها وبعدها من الاعتدال ).
أقول : العناصر المتعدّدة إذا امتزجت وتفاعلت بكيفيّاتها على الوجه المذكور واستقرّت على كيفيّة وحدانيّة ، صارت واحدة من هذه الجهة ، فيحصل ـ ولو بإفاضة المبدأ ـ ما يحفظ تركيبها ويقرّها على الاجتماع وعدم الافتراق سريعا ، كما هو مقتضى طباعها ، ومن هذا يطلق عليه الجبّار ، كما يظهر من بعض الأخبار.
وتلك الكيفيّة المسمّاة بالمزاج تختلف باختلاف الامتزاج ، ولهذا تكون للمركّبات أمزجة متعدّدة مختلفة متفاوتة بحسب القرب من الاعتدال والبعد عنه في الإعداد ، فتتفاوت محالّها في الاستعداد ، فهي المعدّة لقبول المركّب للصورة والقوى المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة ؛ إذ المركّبات كلّها اشتركت في الطبيعة الجسميّة ، ثمّ اختلفت في القوى ، فبعضها اتّصف بصورة حافظة لبسائطه عن التفرّق جامعة لمتضادّات مفرداته من غير أن تكون مبدأ لشيء آخر ، وهذه هي الصورة المعدنيّة. وبعضها اتّصف بصورة تفعل ـ مع ما تقدّم ـ التغذية والتنمية والتوليد لا غير ، وهي النفس النباتيّة. وبعضها اتّصف بصورة تفعل ـ مع ذلك ـ الحسّ والحركة الإراديّة ، وهي النفس الحيوانيّة. فلا بدّ وأن يكون هذا الاختلاف بسبب اختلاف القوابل المستندة إلى
[١] « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١٣٣ ـ ١٣٩ ، وخلاصة كلام الشيخ هنا هو ما ذكره بهمنيار في « التحصيل » : ٦٩٣ من أنّ الجواهر العنصريّة ثابتة في الممتزج بصورها متغيّرة في كيفيّاتها فقط ، وكيف لا تكون ثابتة فيه والمركّب إنّما هو مركّب عن أجزاء فيه مختلفة ، وإلاّ لكان بسيطا لا يقبل الأشدّ والأضعف. وأمّا كيفيّاتها ولواحقها فتكون قد توسّطت ونقصت عند حدّ الصرافة.