و كان القياس أن يقول: ساءني، و فضحني، و طرد، لأنّ (الذي) اسم غيبة
و لكنّه لمّا أوقع (الذي) صفة للذّكر و قد وصف المنادى بالذّكر جاز له إعادة ضمائر
الخطاب إليه. و يوضّح لك هذا أنّك تقول: (يا غلامي)، و (يا غلامنا)، و (يا
غلامهم)، و لا تقول: (يا غلامكم)، لأنّه جمع بين خطابين خطاب النّداء، و الخطاب
بالكاف، فلذلك وحّدوا التّاء في التثنية و الجمع، و ألزموها الفتح في الحالين و في
خطاب المرأة إذا قلت: (أرأيتك) لأنّهم جرّدوها من الخطاب.
المسألة الثالثة[1]: أمّا حدّ الاسم فإنّ سيبويه حدّ الفعل و لم يحدّ
الاسم لما يعتور حدّ الاسم من الطّعن، و عوّل على أنّه إذا كان الفعل محدودا، و
الحرف محصورا معدودا، فما فارقهما فهو اسم. و حدّ بعض النحويّين المتأخّرين الاسم
فقال: «الاسمكلمة تدلّ على معنى في نفسها، غير مقترنة بزمان
محصّل»، و إنّما قال: تدلّ على معنى في نفسها، تحرّزا من الحرف، لأنّ الحرف يدلّ
على معنى في غيره. و قال:
«غيرمقترنة بزمان»، تحرّزا من الفعل، لأنّ الفعل وضع
ليدلّ على الزّمان. و وصف الزّمان بمحصّل ليدخل في الحدّ أسماء الفاعلين، و أسماء
المفعولين، و المصادر، من حيث كانت هذه الأشياء دالّة على الزّمان، لاشتقاق بعضها
من الفعل، و هو اسم الفاعل، و اسم المفعول، و اشتقاق الفعل من بعضها و هو المصدر،
إلّا أنّها تدلّ على زمان مجهول، ألا ترى أنّك إذا قلت: «ضربيزيدا شديدا» احتمل أن يكون الضّرب قد وقع، و أن يكون متوقّعا و أن
يكون حاضرا.
و ممّا أعترض به على هذا الحدّ قولهم: «آتيكمضرب الشّول و مقدم الحاجّ، و خفوق النّجم» لدلالة هذه الأسماء على
الزّمان مع دلالتها على الحدث الذي هو الضّراب، و القدوم، و الخفقان، فقد دلّت على
معنيين.
و أسلم حدود الاسم من الطّعن قولنا: الاسم ما دلّ على مسمّى به دلالة
الوضع.
و إنّما قلنا: (ما دلّ) و لم نقل «كلمةتدلّ»، لأنّنا وجدنا من الأسماء ما وضع من كلمتين ك «معديكرب»، و أكثر من كلمتين ك «أبيعبد الرّحمن»، و قلنا: «دلالةالوضع تحرّزا ممّا دلّ دلالتين: دلالة الوضع، و دلالة الاشتقاق، ك «مضربالشّول» و إخوته، و ذلك أنّهنّ وضعن ليدللن على الزّمان فقط، و دللن
على اسم الحدث لأنّهنّ
[683] - الشاهد لأبي النجم العجلي في المقتضب (4/ 132)، و أمالي
ابن الشجري (2/ 152).