تأخير الحكم ضررا ، ولا يلزم العمل بالظنّ مع إمكان العلم إذ الفرض عدمه ، قلت إنّ الحكم حينئذ ليس بالاجتهاد لدلالة الوحي على نفي الضّرر ، فيكون حكما بالنصّ النوعيّ.
٢ ـ ظاهر الكلام أنّ الحكمين صوابان لقوله تعالى « وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً » مع أنّ بينهما منافاة ، والصواب لا يكون في المتنافيين والجواب المنع من المنافاة ، لجواز أن يكون قيمة الغنم بقدر ما فات من الحرث ، ولذلك حكم بتسليم الغنم إذ لا يجب عليه الصّبر ، فيكون حكمه صوابا. لكن حكم سليمان كان أصوب لأنّه راعى مصلحة الجانبين والصبر وإن لم يكن واجبا لكنّه ندب من قسم التفضّل ، فلا منافاة كما لا منافاة بين المصلحة والأصلح والفصيح والأفصح.
قلت فعلى هذا لا يكون الثاني ناسخا للأوّل إذ لا منافاة بين الأوّل والثاني والنسخ شرطه المنافاة بل يكون بيان شرع زائدة وقد تقرّر في الأصول أنّ الزيادة على النصّ ليس نسخا على الأصحّ ، وعلى هذا يخرج الجواب عن السؤال الأوّل وعن القول بلزوم البداء.
٣ ـ على قول من قال إنّ حكمهما كان بالاجتهاد ، يرد سؤال ، إنّه لا يجوز للمجتهد أن يرجع عن اجتهاده لأجل اجتهاد غيره الجواب أنّه رجع لاجتهاد ثان له ، وهو جائز اتّفاقا.
واعلم أنّ قوله « فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ » أي الفتوى أو الحكومة ، فيه دلالة على أنّه لم يكن باجتهاد بل بوحي فبطل قول من استدلّ بها على تصويب قول كلّ مجتهد لأنّه مخالف لمدلولها قوله « لِحُكْمِهِمْ » أضاف الحكم إلى الحاكمين والمتحاكمين.