responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : منتهى المطلب في تحقيق المذهب نویسنده : العلامة الحلي    جلد : 3  صفحه : 2

مقدمة الجزء الثالث

قبسات من حياة العلامة ، ص : 7
ولادته و نشأته ، ص : 11
نبذة تأريخية عن مدرسة الحلة ، ص : 14
بين والده و هولاكو ، ص : 15
مشايخه في القراءة و الرواية ، ص : 18
تلاميذه في القراءة و الرواية ، ص : 20
طرقه الى كتب الأحاديث ، ص : 22
تقسيمه الحديث إلى أقسامه المشهورة ، ص : 24
أقوال علماء الشيعة فيه ، ص : 25
أقوال علماء السنة فيه ، ص : 31
مؤلفاته و آثاره العلمية ، ص : 35
كتب منسوبة إليه ، ص : 50
ما عيب عليه في التأليف ، ص : 51
قصة تشيع السلطان خدابنده ، ص : 52
من هو السلطان؟ ، ص : 54
مناظرة أخرى ، ص : 55
مكاتبه في مسألة أصولية ، ص : 57
مدرسته السيارة ، ص : 60
رؤيته في المنام ، ص : 61
وصاياه الأخلاقية ، ص : 62
مناقبه ، ص : 66
أعقابه ، ص : 67
إشعاره ، ص : 67 وفاته و مدفنه ، ص : 68
الصفحه : 7

مقدمة الجزء الثالث

قبسات من حياة العلامة

الصفحه : 9

تقدمة بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّيبين الطّاهرين، و صحبه الأخيار المنتجبين، و من تابعهم إلى قيام يوم الدّين، و بعد:

إذا كانت الحضارات و الأمم الحيّة تعنى بحياة عظمائها، و مفكّريها، و تخليدا لذكراهم، تقيم لهم التّماثيل، و تشيّد لهم النّصب التّذكاريّة، و تقدّم حياتهم لأبنائها كمنهج دراسيّ يستلهمون منه الدّروس و العبر، لا لشي‌ء إلّا لأنّها ترى في ذلك دعما لحضارتها، و إحياء لتراثها، و تشييدا لنهضتها. فحريّ بنا نحن المسلمين أن ندرس حياة أئمّتنا و عظمائنا و مفكّرينا و علمائنا، و أن نبحث عن آثارهم، و ننقّب عن أخبارهم، و نتّخذ من حياتهم و سيرهم مصدر إشعاع للفكر، و منهلا عذبا للخير، و ينبوعا فيّاضا بالحكمة و العطاء، و رصيدا ضخما في الكمالات و المعرفة. فهي مصدر علميّ أخلاقي ثريّ، و مدرسة كبرى للإنسانية، و معالم وضّاءة لتحقيق الحقّ و العدالة.

و لو أنّنا معاشر المسلمين عموما، و الشّيعة خصوصا، أخذنا بسير هؤلاء العظام من أسلافنا الصّالحين و ترجمناها إلى واقعنا السّلوكي و التّطبيق العمليّ، لكنّا قد حصلنا على أعظم مكسب في مجال التّوجيه و الأخلاق، و لقدّر لنا أن نرتقي أعلى درجات الارتقاء، إذ لم تعهد البشريّة جمعاء- بقادتها و علمائها و مفكّريها و ذوي‌

الصفحه : 10

الكفاءات فيها- على مرّ العصور و الأجيال بمثل هذا العطاء الزّاخر، و هذه القمم الأخلاقيّة السّامقة، و لقدّر لنا أن نسود العالم و الأمم، و أن نتصدّرهم من خلال امتداد رسالة السّماء إلى كافّة أرجاء المعمورة، تلك الرّسالة الّتي أعطتنا عند ما تمسّكنا بها: هويّة، و عزّة، و عظمة، و ارتقت بنا إلى سلالم المجد و الخلود، و تلك الّتي عند ما تركنا العمل بتعاليمها و مبادئها: هوينا إلى أحطّ درجات الانحطاط، و أدنى مستويات التسيّب و الإسفاف، و صرنا بعد أن كنّا أمّه حيّة، مهابة الجانب، يفتخر الغير بالاقتداء و الاهتداء بها، صرنا امّة يطمع بها لضعفها، و يرثي لحالها من فقرها و جدبها، و ليس هذا، الّذي توخّاه لنا الدين، و لا هو، الّذي أراده لنا النّبيّ- صلّى اللّٰه عليه و آله-، و لنعم ما قال أحد الشّعراء العرب، معلّلا سبب انهيارنا بعد ذاك العزّ التّليد:

محمّد هل لهذا جئت تسعى و هل لك ينتمي همل مشاع أ إسلام و تغلبهم يهود و آساد و تغلبهم ضباع شرعت لهم طريق الحقّ لكن أضاعوا شرعك السّامي فضاعوا

فما أحرانا سيّما و نحن في مثل هذا الدّهر الّذي ضاعت فيه كلّ القيم الإنسانيّة، و المبادي الأخلاقيّة، و عاد فيه الدّين غريبا كما بدأ غريبا، و ما أحوجنا إلى أن نخلّد ذكري أئمّتنا و علمائنا، و ذلك من خلال إلزام أنفسنا باتّباعهم، و الانتهاج بمنهجهم، و الاحتذاء بحذوهم، و الأخذ من عظاتهم و سلوكهم بلسما لأمراضنا الاجتماعيّة الّتي جرّتنا إلى هذه الهوّة السّحيقة، و الأخذ بمثل هذه السّير العطرة لهؤلاء العظماء، كي نخرج من هذا الواقع المعاب، إلى واقع مشرّف، طافح بالعزّة و الكرامة، و أن نستعيد مجدنا الإسلاميّ التّليد، بعد هذا الإعراض الطّويل العتيد، ليعود لواء الإسلام المحمّديّ الأصيل عاليا خفّاقا على العالم من جديد.

و من أبرز هؤلاء العظام، الشّخصيّة العلميّة الفذّة، صاحب المكانة المرموقة في أفق العلم و العلماء، العلّامة الحلّيّ الشّيخ الحسن بن يوسف بن عليّ بن‌

الصفحه : 11

المطهّر «قدّس سرّه».

ولادته و نشأته

ذكر العلّامة في الرّياض أنّه قال في أجوبة مسائل مهنّأ بن سنان المدنيّ الموسومة بالمسائل المهنّائيّة:

و أمّا مولد العبد، فالّذي وجدته بخطّ والدي، ما صورته: ولد ولدي المبارك أبو منصور الحسن بن يوسف بن مطهّر: ليلة الجمعة في الثّلث الأخير من الليل 27 رمضان من سنة 648 ق. و اشتباه سبع بتسع قريب.

فكانت ولادته في مدينة الحلّة بجنوب العراق، البلدة المعروفة بطيب المناخ، و نقاء الجوّ، و جمال الطّبيعة، و في بيئة صالحة كريمة، عرفت بالنّبوغ الذّهنيّ، و الذّكاء الفطريّ، و بعلوّ الرّتبة، و سموّ القدر، من أبوين كريمين: الشّيخ الجليل و العالم النّحرير سديد الدّين، و عقيلته كريمة الشّيخ أبي يحيى الحسن بن يحيى الحلّي- صاحب كتاب «الجامع» و أخت المحقّق الحلّيّ صاحب كتاب «الشّرائع».

في مثل هذا البيت الشّريف الممتلئ بالسّؤدد و الفضل، نشأ و ترعرع تحت رعاية والده الشّيخ، و خاله المحقّق الّذي كان له- هو الآخر- بمنزلة الأب الشّفيق و الوالد الرّحيم، و نال العلّامة من تربيته القسط الأوفر، و تلمّذ عليه أكثر من غيره، و نهل من معينة الصّافي الرّقراق ما كان له زادا نافعا طيلة مدّة حياته، سيّما في الفقه و الأصول، اللّذين اشتهر فيهما أكثر من غيرهما، فنشأ التّلميذ كما توخّاه خاله الأستاذ، و تغلّب على أقرانه المتتلمذين، و عرف بالنّبوغ الفكريّ و الاستعداد الذّهنيّ، و المستوي العلميّ الرفيع و هو بعد لم يبلغ سنّ المراهقة، و انتقلت إليه الرّئاسة الدّينيّة، و الرّيادة في التّدريس و الفتيا بعد وفاة أستاذه و خاله المحقّق، فكان له النّصيب الأوفر بعد ذلك في تطوير المناهج العلميّة في الفقه و الأصول،

الصفحه : 12

و في إلباس الفقه الإماميّ أقشب الحلل و أنيقها.

لقد تألّق ذكر العلّامة في الآفاق، و سطع نجمة، و تصدّرت مكانته، و ليس أدلّ على ذلك من الوقوف على سرّ تسميته و تلقيبه ب‌ «العلّامة» و اختصاصه به على الإطلاق، حتّى عاد هذا اللّقب المستعار اسما له، يشخّصه و يميّزه من بقيّة الفطاحل من العلماء و الفقهاء الّذين تقدّموا عليه و عاصروه.

فما يكاد يذكر هذا اللّقب و هذا الاسم، إلّا و يتبادر إلى الذّهن شخصيّة عيلمنا المترجم له، و الّذي يبدو لنا في سرّ هذه التّسمية و اختصاصها به، أنّه:

حصل عليها عقب مناظرته المشهورة في مجلس السّلطان الجايتو محمّد خدابنده الّذي تشيّع بعدها على يديه [1]، حيث كشفت عن سعة فهمه، و وفور علمه، و دقّة نظره، و حدّة ذهنه، و الّتي منحت له في بداية الأمر على سبيل الارتجال، ثمَّ لازمته بدافع الشّهرة في نهاية المطاف [2].

ففي عصره استبصر هذا السّلطان، و تشيّع، و ضرب النّقود باسم الأئمّة في عام 708 ق فتخلّصت الأمّة الإسلاميّة من بدعة الخلافة الّتي قامت بموت النّبيّ- صلّى اللّٰه عليه و آله-، فانفصلت السّلطة السّياسيّة عن الإمامة الرّوحية، و أعطيت بعض الحريّات الدّينية التي كان العبّاسيّون يضنّون بها.

فلو كان العبّاسيّون قبل ذلك مقتنعين بالسّلطة السّياسيّة، و تاركين الإمامة الرّوحيّة لأهلها، فلعلّه لم يحصل ما حصل من الدّمار.

و في عصره أرجعت إلى الحلّة- و هي مدينة بابل- مكانتها العلميّة القديمة، فصارت مركزا فلسفيّا للشّيعة، و ازدهرت فيها مدارسهم بعد ما عانت من الاضطهاد‌


[1] قال في الرّياض: رأيت في بعض تواريخ العامّة ذكر هذه القصّة- تشيّع السّلطان خدابنده- بهذه الصّورة، قال: و من سوانح سنة 707 ق إظهار خدابنده شعار التّشيّع بإضلال ابن المطهّر.

[2] مقدّمة مبادي الوصول، للأستاذ البقّال، بتصرّف.

الصفحه : 13

مددا طويلة، و منها كانت تستقي مدرسته السّيّارة [1]، الّتي أسّست في معسكر السّلطان لتجوب البلاد الإسلاميّة لنشر العلم و الفلسفة [2].

و قد كان من تظلّع العلّامة في الميادين العلميّة و تبحّره بها أن برع في المعقول و المنقول منها، و حاز على قصب السّبق و هو في ريعان شبابه و مقتبل عمره، على زملائه من العلماء و الفحول، إذ قيل: انّه كان في عصره في الحلّة:

أربعمائة مجتهد [3].

و قد ذكر العلّامة نفسه في مقدّمة كتابه «منتهى المطلب» أنّه فرغ من تصنيفاته الحكميّة و الكلاميّة، و أخذ في تحرير الفقه قبل أن يكمل له 26 سنة.

كما تقدّم في فقه الشّريعة و صنّف فيه- كما سيمرّ عليك- المؤلّفات المتنوّعة و المختلفة من موسوعات و مطوّلات و شروح و إيضاحات و مختصرات و رسائل، كانت من الرّفعة في المقام لدرجة أنّها لا زالت تحتلّ الصّدارة في مختلف المدارس العلميّة، و شتّى الميادين الثّقافيّة، و لا زالت محطّ أنظار العارفين و العلماء، من عصره إلى اليوم، بحثا و تدريسا، و شرحا و تعليقا. فهي تمثّل عصارة النّتاج الفكريّ المنبثق من ذلك العقل المبدع و الفكر الوقّاد، فكان- رحمه اللّٰه- حسنة من حسنات الدّهر، و فلتة من فلتأت الزّمان، علما، و عملا، و زهدا، و خلقا، إذ جمع اللّٰه فيه ضروب الفضائل، فجدير بنا معاشر الشّيعة الإماميّة أن نثمّن هذه الشخصيّة كلّ الثمن، و أن نستلهم منها الدّروس و العبر، و نأخذ منها ما يكون لنا زادا نافعا في حياتنا و في مسيرنا إلى اللّٰه تعالى.


[1] سيأتي ذكرها فيما بعد، و سبب تسميتها.

[2] طبقات أعلام الشّيعة، ق 8 ص 53.

[3] طبقات أعلام الشيعة، ق 8 ص 53.

الصفحه : 14

نبذة تأريخيّة عن مدرسة الحلّة

برزت مدرسة الحلّة الفقهيّة بعد احتلال بغداد على يد هولاكو التّتار، فقد كانت مدرسة بغداد قبل الاحتلال، حافلة بالفقهاء و الباحثين و حلقات الدّراسة الواسعة، و كان النّشاط الفكريّ فيما قبل الاحتلال على قدم و ساق.

و حينما احتلّت بغداد من قبل المغول، أوفد أهل الحلّة وفدا إلى قيادة الجيش المغوليّ، يلتمسون الأمان لبلدهم، فاستجاب لهم هولاكو و آمنهم على بلدهم بعد أن اختبرهم على صدقهم [1].

و بذلك ظلّت الحلّة مأمونة من النّكبة، الّتي حلّت بسائر البلاد في محنة الاحتلال المغوليّ، و أخذت- الحلّة- تستقطب الشّاردين من بغداد من الطّلّاب و الأساتذة و الفقهاء.

و اجتمع في الحلّة عدد كبير من الطّلّاب و العلماء، و انتقل معهم النّشاط العلميّ من بغداد إلى الحلّة، و احتفلت هذه البلدة- و هي يومئذ من الحواضر الإسلاميّة الكبرى- بما كانت تحتفل به بغداد من وجوه النّشاط الفكريّ: ندوات البحث و الجدل، و حلقات الدّراسة، و المكاتب، و المدارس، و غيرها.

و استقرّت المدرسة في الحلّة، و ظهر في هذا الدّور في الحلّة: فقهاء كبار، كان لهم الأثر الكبير في تطوير مناهج الفقه و الأصول الإماميّ، و تجديد صياغة عمليّة الاجتهاد، و تنظيم أبواب الفقه كالمحقّق الحلّي، و العلّامة، و ولده فخر المحقّقين، و ابن نما، و ابن أبي الفوارس، و الشّهيد الأوّل، و ابن طاوس، و غيرهم من فطاحل الأعلام و رجال الفكر.

و مهما يكن من أمر، فقد كانت (مدرسة الحلّة) امتدادا لمدرسة بغداد،


[1] راجع سبب إعطاء الأمان إليهم في الموضوع التّالي.

الصفحه : 15

و تطويرا لمناهجها و أساليبها، فبالرغم من الفتح الفقهيّ الكبير الّذي قدّر لمدرسة بغداد على يد شيخ الطّائفة الطّوسيّ، كانت المدرسة بداية لفتح جديد، و مرحلة جديدة الاستنباط لم تخلّ من بدائيّة.

فقدّر لمدرسة الحلّة- نتيجة لممارسة هذا اللّون الجديد من التّفكير و الاستنباط- أن تمسح عنها مظاهر البدائيّة، و أن تسوّي من مسالكها، و أن توسّع الطّريق للسّالكين، و تمهّدها لهم.

و لئن كان الشّيخ الطّوسيّ بلغ قمّة الفكر الفقهيّ لمدرسة بغداد، فقد بلغ- من بعده- العلّامة الحلّي قمّة الفكر الفقهيّ لمدرسة الحلّة.

و لو لا جهود علماء هذا العصر، لظلّت مدرسة بغداد على المستوي الّذي خلّفها الشّيخ عليه من ورائه، و لما قطعت هذه المراحل الطّويلة الّتي قطعتها فيما بعد على أيدي علماء كبار، أمثال: المحقّق الحلّي و العلّامة و الشّهيد الأوّل و غيرهم [1].

بين والده و هولاكو

و ممّا يناسب المقام هنا بعد ذكر هذه النّبذة التّأريخيّة المختصرة عن مدرسة الحلّة الفقهيّة، ما نقله العلّامة نفسه في كتابه: «كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين- عليه السّلام-» ص 28 في أخبار مغيّبات أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال:

و من ذلك إخباره- عليه السّلام- بعمارة بغداد، و ملك بني العبّاس، و أحوالهم، و أخذ المغول الملك منهم، رواه والدي رحمه اللّٰه، و كان ذلك سبب سلامة أهل الكوفة و الحلّة و المشهدين الشّريفين من القتل [و الفتك].

لمّا وصل السّلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها، هرب أكثر أهل الحلّة‌


[1] و من أراد التّوسّع، فليراجع تقديم العلّامة الآصفي لكتاب اللّمعة ج 1 ص 68- 76.

الصفحه : 16

إلى البطائح إلّا القليل، فكان من جملة القليل والدي رحمه اللّٰه، و السّيّد مجد الدّين ابن طاوس، و الفقيه ابن أبي العزّ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السّلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الايليّة [1]، و انفذوا به شخصا أعجميا، فأنفذ السّلطان إليهم فرمانا [2] مع شخصين، أحدهما يقال له: نكله، و الآخر: علاء الدّين، و قال لهما:

قولا لهم: إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم، تحضرون إلينا.

فجاء الأميران، فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه، فقال والدي- رحمه اللّٰه-: إن جئت وحدي كفى؟ فقالا: نعم، فاصعد معهما، فلمّا حضر بين يديه و كان ذلك قبل فتح بغداد و قبل قتل الخليفة، قال له: كيف قدمتم على مكاتبتي و الحضور عندي قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري و أمر صاحبكم؟

و كيف تأمنون إن يصالحني [3] و رحلت عنه؟ فقال والدي- رحمه اللّٰه-:

إنّما أقدمنا على ذلك، لأنّا روينا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أنّه قال في خطبة الزّوراء [4]:.

و ما أدراك ما الزّوراء، أرض ذات أثل [5]، يشيّد فيها البنيان، و تكثر فيها السّكّان، و يكون فيها مهادم و خزّان، يتّخذها ولد العبّاس موطنا، و لزخرفهم مسكنا، تكون لهم دار لهو و لعب، يكون بها الجور الجائر، و الخوف المخيف، و الأئمّة الفجرة، و الأمراء الفسقة، و الوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس و الرّوم، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه، و لا يتناهون عن منكر إذ أنكروه، تكفى الرّجال منهم بالرجال، و النّساء بالنّساء، فعند ذلك: الغمّ العميم، و البكاء الطّويل، و الويل‌


[1] عنوان القيادة المغوليّة، إيل: قبيلة هولاكو.

[2] جمعها: فرامين، عهد السّلطان للولاة، و هي فارسيّة الأصل، معرّبها: أمر.

[3] المقصود به الخليفة العبّاسيّ المستعصم الّذي كان في بغداد.

[4] قال الفيروزآبادي: الزّوراء: بغداد.

[5] شجر من فصيلة الطّرفائيّات، يكثر قرب المياه، أوراقه دقيقة و أزهاره عنقوديّة.

الصفحه : 17

و العويل لأهل الزّوراء من سطوات التّرك، و هم صغار الحدق [1]، وجوههم كالمجانّ المطرقة [2]، لباسهم الحديد، جرد مرد [3]، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم، جهوريّ الصّوت، قويّ الصّولة، عالي الهمّة، لا يمرّ بمدينة إلّا فتحها، و لا ترفع عليه رأيه إلّا نكّسها، الويل الويل لمن ناوأه [4]، فلا يزال كذلك حتّى يظفر [5].

فلمّا وصف لنا ذلك و وجدنا الصّفات فيكم، رجوناك فقصدناك، فطيّب قلوبهم و كتب لهم فرمانا باسم والدي- رحمه اللّٰه-، يطيّب فيه قلوب أهل الحلّة و أعمالها.

فكان بفضل حزم و تدبير والد العلّامة، سلامة مدينة الحلّة الفيحاء و الكوفة الغرّاء و المشاهد المشرّفة للأئمّة الطّاهرين، بعيدة محفوظة عن فتك المغول و وحشيّتهم، و إتماما لهذه البادرة العقلائيّة الخيّرة من هذا الشّيخ الجليل، كانت مبادرة السيّد مجد الدّين محمّد بن الحسن بن موسى بن جعفر بن طاوس، حيث ألّف كتابا خاصّا أسماه: «البشارة» و أهداه إلى هولاكو، فكان من بركته أن ردّ- هولاكو- إليه شؤون النّقابة في البلاد الفراتيّة، و أمر بسلامة المشهدين الشّريفين للإمامين الكاظمين الجوادين، و مدينتهم: الحلّة الفيحاء.

و مهما قيل عن هاتين المبادرتين الخيّرتين من تفسير و تأويل، فإنّهما كانتا مثمرتين بثمار مفيدة، منتهيتين بنتائج نافعة تركت آثارا طيّبة إلى يومنا هذا، و لم يكن علماء الحلّة و لا غيرهم من سائر علمائنا العظام من أولئك المساومين أو‌


[1] إشارة منه عليه السّلام إلى صغر عيونهم، الحدق: جمع حدقة، و هي: سواد العين الأعظم.

[2] النّعال الّتي الزق بها الطّراق، و هو جلد يقوّر على مقدار التّرس ثمَّ يلزق به.

[3] جرد: جمع أجرد و هو: الّذي لا شعر في بدنه، و مرد: جمع أمرد و هو: الّذي لا لحية له.

[4] ناوأه: عاداه، عارضه.

[5] نهج البلاغة، للدّكتور صبحي الصّالح، في وصف الأتراك، ص 186.

الصفحه : 18

النّازلين على حكم الأجنبي الغادر، خصوصا إذا كان بهذه الدرجة من الوحشيّة الكاسرة، و البعد عن حمل المظاهر الإنسانيّة.

كلّ ما في الأمر أنّهم أرادوا أن يطلبوا الأمان لأنفسهم، و يكونوا بعيدين عن الفتك و السّفك، حفظا لحرمهم، و حقنا لدمائهم، و صونا لمقدّساتهم عن التّعرّض و الانتهاك.

مشايخه في القراءة و الرّواية

درس العلّامة الحلّي- رحمه اللّٰه- على جمهور كثير من الفقهاء و الأعلام المبرّزين في عصره- عامّة و خاصّة- و إليك أسماءهم شيعة فسنّة:

1- خاله الأكرم و أستاذه الأعظم، رئيس العلماء و المحقّق على الإطلاق، فقيه مدرسة آل محمّد- صلّى اللّٰه عليه و آله-: الشّيخ نجم الدّين أبو القاسم جعفر بن سعيد الهذليّ الحلّيّ- صاحب الشّرائع و المختصر النّافع و النّكت- الرّائد الأوّل لمدرسة الحلّة الفقهيّة، و من أعاظم فقهاء الإماميّة، توفّي سنة 676 ق. درس عليه العلوم الفقهيّة و الأصوليّة و العربيّة خاصّة.

وصفه تلميذه ابن داود قائلا: الإمام العلّامة واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه، و أقومهم بالحجّة، و أسرعهم استحضارا [1].

2- والده الأجل و الشّيخ الأكمل، الفقيه، المتكلّم، الأصوليّ: سديد الدّين يوسف ابن زين الدّين عليّ بن المطهّر الحلّيّ.

3- أستاذه، سلطان المحقّقين: الخواجة نصير الدّين محمّد بن الحسن الطّوسيّ. درس عليه الفلسفة و الكلام و الهيئة و الرّياضيّات، كما أشار العلّامة نفسه إلى أنّه قرأ عليه: «إلهيّات الشّفاء، لابن سينا» و كتاب «التّذكرة في الهيئة،


[1] الكنى و الألقاب ج 3 ص 134.

الصفحه : 19

للطّوسيّ» و غيرهما.

4- الشّيخ الجليل: مفيد الدّين محمّد بن عليّ بن محمّد بن جهم الحلّيّ الأسديّ.

5- الحكيم المتألّه: كمال الدّين ميثم بن عليّ بن ميثم البحرانيّ، صاحب الشّروح الثّلاثة على نهج البلاغة.

6- الشّيخ نجيب الدّين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذليّ الحلّيّ- صاحب كتاب: نزهة النّاظر، و جامع الشّرائع- ابن عمّ المحقّق الحلّيّ.

7- العالم النّحرير: الحسن بن الشّيخ كمال الدّين عليّ بن سليمان البحرانيّ.

8- السّيد الجليل: رضيّ الدّين عليّ بن موسى بن طاوس.

9- جمال الدّين أبو الفضائل و المناقب: السّيد أحمد بن موسى بن جعفر بن طاوس.

10- نجم الملّة و الدّين: جعفر بن نجيب الدّين محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّٰه بن نما الحلّيّ الرّبعيّ، المتوفّى سنة 645- صاحب كتاب: أخذ الثأر، و مثير الأحزان.

11- الشّيخ الأعظم: بهاء الدّين عليّ بن عيسى الإربليّ- صاحب كتاب:

كشف الغمّة.

12- السّيد عبد الكريم بن طاوس- صاحب كتاب: فرحة الغريّ.

كما درس القرآن الكريم و تعلّم علومه و أتقن فنونه على أستاذه الخاص (محرم) الّذي كان والده قد عيّنه له.

كان هؤلاء شيوخه من الإماميّة، أمّا شيوخه من العامّة الّذين درس عليهم:

1- نجم الدّين عليّ بن عمر الكاتبيّ القزوينيّ الشّافعيّ المعروف بدبيران‌

الصفحه : 20

المنطقي، تلميذ المحقّق الطّوسيّ، صاحب كتاب: متن الشّمسيّة في المنطق، و التّصانيف الكثيرة، كان من أفضل علماء الشّافعية و أعلم أهل زمنه بالمنطق و الهندسة و آلات الرّصد، و كان عارفا بالحكمة، كما عن إجازة العلّامة لبني زهرة.

2- الشّيخ برهان الدّين النّسفيّ.

3- الشّيخ جمال الدّين حسين بن آبان النّحويّ.

4- الشّيخ عز الدّين الفاروقي الواسطيّ، و هو من كبار فقهاء العامّة.

5- الشّيخ تقيّ الدّين عبد اللّٰه بن جعفر بن عليّ الصّبّاغ الحنفيّ الكوفيّ.

6- شمس الدّين محمّد بن محمّد بن أحمد الكشّيّ- المتكلّم الفقيه- ابن أخت قطب الدّين العلّامة الشّيرازيّ.

7- رضيّ الدّين الحسن بن عليّ الصّنعانيّ الحنفيّ، فإنّ العلّامة قد روى عنه.

8- عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزليّ، المتوفّى سنة 655 ق، صاحب الموسوعة الغرّاء: شرح نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين- عليه السّلام.

تلاميذه في القراءة و الرّواية

لقد فاز العلّامة الحلّيّ بالمقام الرّفيع و المثوبة العظيمة، بتربية نخبة من أعاظم الفقهاء و العلماء على يديه، كانوا بعد ذلك مشاعل نيّرة و أعلاما خيّرة في سبيل إحياء تراث الأئمّة الخالد الّذي يمثّل عظمة روّاد مدرسة أهل البيت- عليهم السّلام-، فمن هؤلاء التّلاميذ العظام:

1- ولده الصّالح، أجلّ الفقهاء و أعظم الأساتيذ، المحقّق البحّاثة، فخر المحقّقين أبو طالب محمّد- الّذي خصّه العلّامة بتأليف الكثير من كتبه لأجله، كما خصّه بالوصيّة الغرّاء الّتي أوردها في آخر كتابه القواعد [1]، أمره فيها بإتمام‌


[1] سنذكرها كاملة فيما بعد.

الصفحه : 21

ما بقي ناقصا من كتبه بعد وفاته، و إصلاح ما وجد فيها من الخلل، و هي تتضمّن أنبل المواعظ الأخلاقيّة، و أسمي النّصائح الرّبّانيّة- المتولّد في ليلة الاثنين 20 جمادى الأولى سنة 628 ق و المتوفّى ليلة الجمعة 25 جمادى الآخرة سنة 771 ق.

2- ابنا أخته السّيّدان الجليلان و الحسينيّان الأعرجيّان: عميد الدّين عبد المطّلب و السّيد ضياء الدّين عبد اللّٰه، ابنا السّيد مجد الدّين أبي الفوارس محمّد الحسينيّ. و لهما أعقاب علماء أجلّاء، كما و أنّ لفخر المحقّقين (ولد العلّامة) ولدين عالمين هما: ظهير الدّين محمّد، و أبو المظفّر يحيى.

3- الشّيخ تقيّ الدّين إبراهيم بن محمّد البصريّ، كتب العلّامة: مبادي الوصول إلى علم الأصول، بطلب منه.

4- الشّيخ محمّد بن عليّ بن محمّد الجرجانيّ الغرويّ، شرح كتاب أستاذه: مبادي الوصول و أسماه: غاية البادئ في شرح المبادي.

5- الشّيخ تقيّ الدّين إبراهيم بن الحسين بن عليّ الآمليّ.

6- رضيّ الدّين أبو الحسن عليّ بن جمال الدّين أحمد بن يحيى المزيديّ، المتوفّى سنة 757 ق.

7- الشّيخ عليّ بن الحسن الإماميّ، و قد شرح من تأليفات أستاذه العلّامة كتاب: مبادي الوصول و أسماه: خلاصة الأصول.

8- الشّيخ الفقيه زين الملّة و الدّين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن طراد المطارآبادي المتوفّى سنة 762 ق.

9- السّيد بدر الدّين محمّد، أخو علاء الدّين- التّالي ذكره.

10- السّيد علاء الدّين أبو الحسن عليّ بن محمّد بن الحسن بن زهرة الحسنيّ الحلّيّ، و هو الّذي كتب العلّامة له و لولده و لأخيه الإجازة الكبيرة لأبناء زهرة.

الصفحه : 22

11- السّيد شرف الدّين أبو عبد اللّٰه الحسين بن علاء الدّين- المتقدّم ذكره- و هم من أبناء زهرة.

12- السّيد الجليل مهنّأ بن سنان بن عبد الوهاب المدنيّ الحسينيّ، صاحب الجوابات الاولى و الثّانية.

13- السّيد العالم النّحرير: أحمد بن أبي إبراهيم محمّد بن الحسن بن زهرة الحسنيّ الحلبيّ.

14- السّيد النّقيب تاج الدّين أبو عبد اللّٰه محمّد بن القاسم بن الحسين بن معيّة الحلّيّ الحسنيّ.

15- الشّيخ العالم: الحسن بن الحسين بن الحسن السّرابشنويّ (نزيل قاسان).

16- الشّيخ الحكيم المتألّه: قطب الدّين أبو جعفر محمّد بن محمّد الرّازيّ البويهيّ، صاحب شرح الشّمسيّة و المطالع.

17- الشّيخ الحسن بن الحسين بن الحسن بن معانق [1].

18- السّيد أحمد العريضي [2]. ذكره صاحب الرّياض.

طرقه الى كتب الأحاديث

قال في آخر الخلاصة:

لنا طرق متعدّدة إلى الشّيخ السّعيد أبي جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّٰه- و كذا إلى الشّيخ الصّدوق أبي جعفر بن بابويه، و كذا إلى الشّيخين أبي عمرو الكشّيّ و أحمد‌


[1] ذكره صاحب «رياض العلماء» و قال: رأيت نسخة من الخلاصة للعلّامة مكتوبة بخطّ هذا الشّيخ، و كان تأريخ كتابتها سنة 707 ق، أي في حياة أستاذه المترجم له.

[2] أعرضنا عن ذكر المصادر في الأسماء خوف السّام و الملل، و من أراد الاطّلاع، فليراجع المدخل من موسوعة البحار للعلّامة المجلسي ص 246 من الطّبعة الجديدة.

الصفحه : 23

أبي العبّاس النّجاشي. و نحن نثبت هاهنا منها ما يتّفق، و كلّها صحيحة، فالّذي إلى الشّيخ الطّوسيّ- رحمه اللّٰه- فإنّا نروي جميع رواياته و مصنّفاته و إجازاته عن والدي الشّيخ يوسف بن عليّ بن مطهّر- رحمه اللّٰه- عن الشّيخ يحيى بن محمّد بن يحيى بن الفرج السّوراويّ، عن الفقيه الحسن بن هبة اللّٰه بن رطبة، عن المفيد أبي عليّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطّوسيّ، عن والده الشّيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ.

و عن والدي عن السّيد أحمد بن يوسف بن أحمد العريضيّ العلويّ الحسينيّ، عن برهان الدّين محمّد بن محمّد بن عليّ الحمدانيّ القزوينيّ- نزيل الرّيّ- عن السّيد فضل اللّٰه أبي عليّ الحسينيّ الرّاونديّ، عن عماد الدّين أبي الصّمصام ذي الفقار بن معبد الحسينيّ، عن الشّيخ أبي جعفر الطّوسيّ.

و عن والدي أبي المظفّر يوسف بن مطهّر- رحمه اللّٰه- عن السّيد فخار بن معد بن فخار العلويّ الموسويّ، عن الشّيخ شاذان بن جبرئيل القمّي، عن الشّيخ أبي القاسم العماد الطّبريّ، عن المفيد أبي عليّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطّوسيّ، عن الشّيخ والده أبي جعفر الطّوسيّ.

و الّذي لي إلى الشّيخ أبي جعفر بن بابويه، فإنّا نروى جميع مصنّفاته و إجازته عن والدي- رحمه اللّٰه- عن السّيد أحمد بن يوسف بن أحمد بن العريضيّ الحسينيّ، عن البرهان محمّد بن عليّ الحمدانيّ القزوينيّ، عن السيّد فضل اللّٰه بن عليّ الحسينيّ الرّاونديّ، عن العماد أبي الصّمصام بن معبد الحسينيّ، عن الشّيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه- رحمه اللّٰه.

و بهذا الإسناد عن أبي الصّمصام عن النّجاشيّ بكتابه عن الشّيخ أبي جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّٰه.

و بالإسناد عن أبي هارون بن موسى التّلعكبريّ- رحمه اللّٰه- عن أبي عمرو‌

الصفحه : 24

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي- رحمه اللّٰه- بكتابه، و قد اقتصرت من الرّوايات إلى هؤلاء المشايخ بما ذكرت، و الباقي من الرّوايات إلى هؤلاء المشايخ و إلى غيرهم مذكور في كتابنا الكبير، من أراده، وقف عليه هناك.

تقسيمه الحديث إلى أقسامه المشهورة

قال المحقّق الكبير السّيد محسن الأمين العامليّ:

اعلم أنّ تقسيم الحديث إلى أقسامه المشهورة، كان أصله من غيرنا و لم يكن معروفا بين قدماء علمائنا، و إنّما كانوا يردّون الحديث بضعف السّند، و يقبلون ما صحّ سنده، و قد يردّونه لأمور أخر، و قد يقبلون ما لم يصحّ سنده، لاعتضاده بقرائن الصّحّة أو غير ذلك، و لم يكن معروفا بينهم الاصطلاح المعروف في أقسام الحديث اليوم، و أوّل من استعمل ذلك الاصطلاح: العلّامة الحلّي، فقسّم الحديث إلى: الصّحيح، و الحسن، و الموثّق، و الضّعيف، و المرسل، و غير ذلك. و تبعه من بعده إلى اليوم.

و عاب عليه و على سائر المجتهدين ذلك الأخباريّون، لزعمهم أنّ جميع ما في كتب الأخبار صحيح، مع أنّ نفس أصحاب الكتب الأربعة قد يردّون الرّواية بضعف السّند.

و بالغ بعض متعصّبة الأخباريّة فقال: هدم الدّين مرّتين، ثانيتهما: يوم أحدث الاصطلاح الجديد في الأخبار. و ربّما نقل عن بعضهم جعل الثّانية: يوم ولد العلّامة الحلّيّ. و هذا كلّه جهل فاضح ساعد عليه: تسويل إبليس، و ضعف التّقوى، فأصحابنا لم يريدوا أن يكونوا محرومين من فائدة تقسيم الحديث إلى أقسامه، و لا أن يمتاز غيرهم بشي‌ء عنهم، فقسّموا الحديث إلى أقسامه المشهورة، و تركوا للمجتهد الخيار فيما يختاره منها أن يكون مقبولا عنده، فمن عابها بذلك فهو‌

الصفحه : 25

أولى بالعيب و الذّمّ [1].

أقوال علماء الشّيعة فيه

قال معاصره ابن داود في رجاله:

شيخ الطّائفة و علّامة وقته، صاحب التّحقيق و التّدقيق، كثير التّصانيف، انتهت رئاسة الإماميّة إليه في المعقول و المنقول.

و أثنى عليه البحّاثة الرّجاليّ الميرزا عبد اللّٰه الأصفهاني في المجلّد الثّاني من رياض العلماء، قائلا:

الإمام الهمام، العالم العامل، الفاضل، الكامل، الشّاعر، الماهر، علّامة العلماء، و فهّامة الفضلاء، أستاذ الدّنيا، المعروف فيما بين الأصحاب بالعلّامة على الإطلاق، و الموصوف بغاية العلم، و نهاية الفهم، و الكمال في الآفاق، كان ابن أخت المحقّق، و كان- رحمه اللّٰه- آية لأهل الأرض، و له حقوق عظيمة على زمرة الإماميّة و الطّائفة الحقّة الاثنى عشريّة، لسانا و بيانا و تدريسا، و تأليفا. و قد كان- رضي اللّٰه عنه- جامعا لأنواع العلوم، مصنّفا في أقسامها، حكيما، متكلّما، فقيها، محدّثا، أصوليّا، أديبا، شاعرا ماهرا، و قد رأيت إشعاره ببلدة أردبيل، و هي تدلّ على جودة طبعه في أنواع النّظم أيضا، و كان وافر التّصانيف، متكاثر التّآليف، أخذ و استفاد عن جمّ غفير من علماء عصره من العامّة و الخاصّة، و أفاد على جمع غفير من فضلاء دهره من الخاصّة، بل من العامّة.

و كان من أزهد النّاس و أتقاهم، و من زهده: ما حكاه السّيد حسين المجتهد في رسالة النّفحات القدسيّة انّه- قدّس سرّه- أوصى بجميع صلواته و صيامه مدّة عمره، و بالحج عنه مع أنّه كان قد حجّ.


[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 401.

الصفحه : 26

و أطراه العلّامة المجلسيّ قائلا:

الشّيخ الأجلّ الأعظم، فريد عصره و وحيد دهره، بحر العلوم و الفضائل، و منبع الأسرار و الدّقائق، مجدّد المذهب و محييه، و ما حي أعلام الغواية و مفنيه، الإمام العلّامة الأوحد، آية اللّٰه المطلق جمال الدّين.

كان من فطاحل علماء الشّريعة، و أعاظم فقهاء الجعفريّة، جامعا لشتّى العلوم، حاويا مختلفات الفنون، مكثرا للتصانيف و مجوّدا فيها، استفادت الأمّة جمعاء من تصانيفه القيّمة منذ تأليفها، و تمتّعوا من إنظاره الثّاقبة طيلة حياته و بعد مماته، له ترجمة ضافية في كتب التّراجم و غيرها، تعرب عن تقدّمه في العلوم و تضلّعه فيها، و تنمّ عن مراتبه السّامية في العلم و العمل، و قوّة عارضته في الظّهور على الخصم، و ذبّه عن حوزة الشّريعة، و نصرته للمذهب.

و قال العلّامة الفقيه الشّيخ أسد اللّٰه التّستريّ الكاظميّ في كتاب المقابس:

الشّيخ الأجل الأعظم، بحر العلوم و الفضائل و الحكم، حافظ ناموس الهداية، كاسر ناقوس الغواية، حامي بيضة الدّين، ماحي آثار المفسدين، الّذي هو بين علمائنا الأصفياء كالبدر بين النّجوم، و على المعاندين الأشقياء أشدّ من عذاب السّموم، و أحدّ من الصّارم المسموم، صاحب المقالات الفاخرة، و الكرامات الباهرة، و العبارات الزّاهرة، و السّعادات الظّاهرة، لسان الفقهاء و المتكلّمين و المحدّثين و المفسّرين، ترجمان الحكماء و العارفين، و السّالكين و المتبحّرين النّاطقين، مشكاة الحقّ المبين، الكاشف عن أسرار الدّين المتين، آية اللّٰه التّامّة العامّة، و حجّة الخاصّة على العامّة، علّامة المشارق و المغارب، و شمس سماء المفاخر و المناقب و المكارم و المآرب.

و امتدحه العلّامة النّوريّ بعد أن بالغ في مدحه و ثنائه قائلا:

و لآية اللّٰه العلّامة بعد ذلك من المناقب و الفضائل ما لا يحصى، أمّا درجاته في العلوم و مؤلّفاته فيها: فقد ملأت الصّحف، و ضاق عنها الدّفتر، و كلّما أتعب نفسي‌

الصفحه : 27

فحالي كناقل التّمر إلى هجر، فالأولى- تبعا لجمع من الأعلام- الإعراض عن هذا المقام.

و أثنى عليه صاحب المجالس قائلا:

العلّامة جمال الدّين حسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي، حامي بيضة الدّين، و ماحي آثار المفسدين، و ناشر ناموس الهداية، و كاسر ناقوس الغواية، متمّم العقليّة، و حاوي أساليب الفنون النّقليّة، محيط دائرة الدّرس و الفتوى، مركز دائرة الشّرع و التّقوى، مجدّد مئاثر الشّريعة المصطفويّة، و محدّد جهات الطّريقة المرتضويّة.

و قال الشّيخ عبّاس القميّ في السّفينة:

العلّامة: هو الشّيخ الأجل الأعظم، بحر العلوم و الفضائل و الحكم، حامي بيضة الدّين، ماحي آثار المفسدين، لسان الفقهاء و المتكلّمين و المحدّثين و المفسّرين، ترجمان الحكماء و العارفين و السّالكين المتبحّرين، النّاطق عن مشكاة الحقّ المبين، الكاشف عن أسرار الدّين المتين، علّامة المشارق و المغارب، و شمس سماء المفاخر و المناقب، آية اللّٰه الشّيخ. أفاض اللّٰه على تربته شآبيب الرّحمة و الرّضوان، و أسكنه أعلى غرف الجنان، محقّق، مدقّق، عظيم الشّأن، لا نظير له في الفنون و العلوم العقليّات و النّقليّات.

و قال السّيد بحر العلوم في فوائده الرّجاليّة:

علّامة العالم، و فخر نوع بني آدم، أعظم العلماء شأنا، و أعلاهم برهانا، سحاب الفضل الهاطل، و بحر العلم الّذي ليس له ساحل، جمع من العلوم ما تفرّق في جميع النّاس، و أحاط من الفنون بما لا يحيط به القياس، مروّج المذهب و الشّريعة في المائة السّابعة، و رئيس علماء الشّيعة من غير مدافعة، صنّف في كلّ علم كتبا، و آتاه اللّٰه من كلّ شي‌ء سببا،. إلى أن قال: إنّه مع ذلك كان شديد التّورّع، كثير التّواضع، خصوصا مع الذّريّة الطّاهرة النّبويّة، و العصابة‌

الصفحه : 28

العلويّة، كما يظهر من المسائل المدنيّة و غيرها. و قد سمعت من مشايخنا- رضوان اللّٰه عليهم- أنّه: كان يقضي صلاته إذا تبدّل رأيه في بعض ما يتعلّق بها من المسائل، حذرا من احتمال التّقصير في الاجتهاد، و هذا غاية الاحتياط، و منتهى الورع و السّداد، و ليت شعري كيف كان يجمع بين هذه الأشياء الّتي لا يتيسّر القيام ببعضها لأقوى العلماء و العبّاد، و لكنّ ذلك فضل اللّٰه يؤتيه من يشاء، و في مثله يصحّ قول القائل:

ليس على اللّٰه بمستبعد أن يجمع العالم في واحد

و قال السّماهيجي في إجازته:

إنّ هذا الشّيخ رحمه اللّٰه، بلغ في الاشتهار بين الطّائفة، بل العامّة شهرة الشّمس في رائعة النّهار، و كان فقيها، متكلّما، حكيما، منطقيا، هندسيّا، رياضيّا، جامعا لجميع الفنون، متبحّرا في كلّ العلوم من المعقول و المنقول، ثقة إماما في الفقه و الأصول، و قد ملأ الآفاق بتصنيفه، و عطّر الأكوان بتأليفه مصنّفاته، و كان أصوليّا بحتا، و مجتهدا صرفا.

و قال المولى الرّجالي الجليل الشّيخ عبد النّبي بن عليّ الكاظميّ- قدّس سرّه- في كتابه الرّجال- الّذي هو تعليقة على كتاب: نقد الرّجال للتّفرشيّ:

الحسن بن يوسف بن المطهّر، هذا الرّجل اتّفق علماء الإسلام على وفور علمه في جميع الفنون و سرعة التّصنيف، و بالغوا فيه و في وثاقته.

و قال فقيه الشّيعة الشّيخ يوسف البحرانيّ في لؤلؤة البحرين:

و كان هذا الشّيخ وحيد عصره، و فريد دهره، الّذي لم تكتحل حدقة الزّمان له بمثيل و لا نظير، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما بلغ إليه من عظم الشّأن في هذه الطّائفة و لا ينبؤك مثل خبير.

و أطراه الشّيخ الحرّ في تذكرة المتبحّرين قائلا:

فاضل، عالم، علّامة العلماء، محقّق، مدقّق، ثقة، ثقة، فقيه، محدّث،

الصفحه : 29

متكلّم، ماهر، جليل القدر، عظيم الشّأن، رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون و العلوم العقليّات و النّقليّات، و فضائله و محاسنه أكثر من أن تحصى.

و امتدحه المولى نظام الدّين في نظام الأقوال بقوله:

شيخ الطّائفة و علّامة وقته، صاحب التّحقيق و التّدقيق، و كلّ من تأخّر عنه استفاد منه، و فضله أشهر من أن يوصف.

و قال الشّيخ البهائي في إجازته لصفيّ الدّين محمّد القميّ:

العلّامة آية اللّٰه في العالمين، جمال الحقّ و الملّة و الدّين.

و ذكره الفاضل التّفرشي في نقد الرّجال قائلا:

و يخطر ببالي أن لا أصفه، إذ لا يسع كتابي هذا ذكر علومه و تصانيفه، و فضائله و محامده، و أنّ كلّ ما يوصف به النّاس من جميل و فضل فهو فوقه، له أكثر من سبعين كتابا في الأصول و الفروع و الطّبيعيّ و الإلهيّ و غيرها.

و أطراه عليّ بن هلال في إجازته للمحقّق الكركيّ، بقوله:

الشّيخ الإمام الأعظم المولى الأكمل الأفضل الأعلم جمال الملّة و الحقّ و الدّين.

و في إجازة المحقّق الكركيّ لسميّه الميسيّ:

شيخنا الإمام، شيخ الإسلام، مفتي الفرق، بحر العلوم، أوحد الدّهر، شيخ الشّيعة بلا مدافع، جمال الملّة و الحقّ و الدّين.

و في إجازته للمولى حسين بن شمس الدّين محمد الأسترآباديّ، قال:

الإمام السّعيد، أستاذ الكلّ في الكلّ، شيخ العلماء و الرّاسخين، سلطان الفضلاء المحقّقين، جمال الملّة و الحقّ، و الدّين.

و قال الشّهيد الأوّل في إجازته لابن الخازن:

الإمام الأعظم الحجّة، أفضل المجتهدين: جمال الدّين.

و أثنى عليه الشّهيد الثّاني في إجازته للسّيد عليّ بن الصّائغ، قائلا‌

الصفحه : 30

شيخ الإسلام و مفتي فرق الأنام، الفاروق للحقّ بالحقّ، جمال الإسلام و المسلمين، و لسان الحكماء و الفقهاء و المتكلّمين، جمال الدّين.

و قال شرف الدّين الشّولستاني في إجازته للعلّامة المجلسيّ الأوّل:

الشّيخ الأكمل العلّامة آية اللّٰه في العالمين، جمال الملّة و الحقّ و الدّين.

و امتدحه ابن أبي جمهور الأحسائي في إجازته للشّيخ محمّد بن صالح الحليّ، قائلا:

شيخنا و إمامنا، و رئيس جميع علمائنا، العلّامة الفهّامة، شيخ مشايخ الإسلام و الفارق بفتاويه بين الحلال و الحرام، و المسلّم له الرّئاسة في جميع فرق الإسلام.

و قال السّيد حسن الصّدر في كتابه تأسيس الشّيعة لفنون الإسلام:

لم يتّفق في الدّنيا مثله، لا في المتقدّمين و لا في المتأخّرين، و خرج من عالي مجلس تدريسه: خمسمائة مجتهد. كان اسما طابق المسمّى، و وصفا طابق المعنى، و هو بحر العلوم على التّحقيق، و المحقّق في كلّ معنى دقيق، أستاذ الكلّ في الكلّ بلا تأمّل.

و قال العلّامة الشّهيد مرتضى المطهّريّ:

كان من أعاجيب الرّجال الأفذاذ، كتب في الفقه و الأصول و الكلام و المنطق و الفلسفة و الرّجال و غيرها، يوجد الآن من كتبه ما يقرب من مائة كتاب مطبوع أو مخطوط، يكفي بعضها كتذكرة الفقهاء، ليكون مرآة لنبوغ هذه الشخصيّة الفقهيّة.

إلى غير ذلك من كلمات و أقوال الفطاحل من الفقهاء، و مؤلّفي معاجم التّراجم في حقّ هذا العبقريّ، الّذي عقمت أعصار الدّهر أن تلد مثله، فكان مثال قول القائل:

هيهات أن يأتي الزّمان بمثله إنّ الزّمان لمثله لعقيم

الصفحه : 31

أقوال علماء السّنّة فيه

قال ابن حجر في لسان الميزان ج 2 ص 317:

الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ، عالم الشّيعة و مصنّفهم، و كان آية في الذّكاء، شرح مختصر ابن الحاجب شرحا جيّدا سهل المأخذ غاية في الإيضاح، و اشتهرت تصانيفه في حياته، و هو الّذي ردّ عليه الشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة في كتابه المعروف بالرّدّ على الرّافضيّ. و كان ابن المطهّر مشهّر الذّكر و حسن الأخلاق، و لمّا بلغه بعض كتاب ابن تيميّة، قال: لو كان يفهم ما أقول أجبته [1].

و قال أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي في كتابه النّجوم الزّاهرة الجزء التّاسع ص 267:.

فيها توفّي شيخ الرّافضة، جمال الدّين الحسين بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ المعتزليّ، شارح كتاب: «مختصر ابن الحاجب» في المحرّم. كان عالما بالمعقولات، و كان رضيّ الخلق، حليما، و له وجاهة عند خربندا- ملك التّتار- و له عدّة مصنّفات، غير أنّه كان رافضيّا خبيثا على مذهب القوم، و لابن تيميّة عليه ردّ في أربعة مجلّدات، و كان يسمّيه ابن المنجّس، يعني عكس شهرته كونه كان يعرف بابن المطهّر.

و قال خير الدّين الزّركليّ في إعلامه ج 2 ص 244:

الحسن، و يقال: الحسين بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّيّ، جمال الدّين، و يعرف بالعلّامة: من أئمّة الشّيعة، و أحد كبار العلماء. نسبته إلى الحلّة (في العراق) و كان من سكّانها، مولده و وفاته فيها، له كتب كثيرة، منها. ثمَّ عدّ كتبه.


[1] هذه العبارة هي صدر بيت من الشعر.

الصفحه : 32

قال العلم النّسّابة السّيد شهاب الدّين المرعشيّ النّجفيّ:

رأيت بخطّ بعض العلماء الشّوافع في مجموعه و قد أطرى في الثّناء على المترجم: و أنّه فاق علماء الإسلام في عصره في بابي القضاء و الفرائض، لم ير له مثيل، و نقل عنه مسائل عويصة و معاضل مشكلة في هذين البابين.

و قال ابن حجر العسقلانيّ في الدّرر الكامنة ج 2 ص 71:

الحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّيّ، جمال الدّين الشّهير بابن المطهّر الأسديّ- يأتي في الحسين- ثمَّ قال هناك: الحسين بن يوسف بن المطهّر الحليّ المعتزليّ، جمال الدّين الشّيعي. و لازم النّصير الطّوسيّ مدّة، و اشتغل في العلوم العقليّة فمهر فيها، و صنّف في الأصول و الحكمة، و كان صاحب أموال و غلمان و حفدة، و كان رأس الشّيعة بالحلّة، و اشتهرت تصانيفه، و تخرّج به جماعة، و شرحه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن في حلّ ألفاظه و تقريب معانيه في فقه الإماميّة، و كان قيّما بذلك داعيا إليه، و له كتاب في الإمامة ردّ عليه فيه ابن تيميّة بالكتاب المشهور، و قد أطنب فيه و أسهب و أجاد في الرّدّ، إلّا أنّه تحامل في مواضع عديدة و ردّ أحاديث موجودة و إن كانت ضعيفة بأنّها مختلقة، و إيّاه عنى الشّيخ تقيّ الدّين السّبكيّ بقوله:

و ابن المطهّر لم تطهر خلائقه داع إلى الرّفض غال في تعصّبه و لابن تيميّة ردّ عليه به أجاد في الرّدّ و استيفاء أضربه

قال: و له كتاب الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة، و بلغت تصانيفه مائة و عشرين مجلّدة فيما يقال، و لمّا وصل إليه كتاب ابن تيميّة في الردّ عليه، كتب أبياتا أوّلها:

لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى طرّا لصرت صديق كلّ العالم لكن جهلت فقلت إنّ جميع من يهوى خلاف هواك ليس بعالم

قال: و قد أجابه الشّمس الموصليّ على لسان ابن تيميّة، و يقال: إنّه تقدّم‌

الصفحه : 33

في دولة خربندا و كثرت أمواله و كان مع ذلك في غاية الشّحّ، و حجّ في أواخر عمره و تخرّج به جماعة في عدّة فنون.

و للعلّامة الحجّة السّيد محسن الأمين تعليق على هذا، نورده هنا إتماما للفائدة، و دحضا لشبه المبطلين، قال:

و في كلام ابن حجر هذا مواقع للنّظر و أمور محتاجة للشّرح و الإكمال، فهو قد أنصف بعض الإنصاف في قوله: إنّ ابن تيميّة تحامل في مواضع عديدة و ردّ أحاديث موجودة بأنّها مختلقة، لكنّه ما أنصف في قوله: إنّها ضعيفة. فإنّ فيها:

المتواتر، و المستفيض، و ما روته الثّقات، و أودعته في كتبها الرّواة.

و الصّواب: أنّ ابن تيميّة بلغ به التّحامل إلى إنكار متواتر الأخبار و مسلّمات التّأريخ. و قد خطر بالبال عند قراءة أبيات السّبكيّ- الّتي نقلها- هذه الأبيات:

لا تتّبع كلّ من أبدى تعصّبه لرأيه نصرة منه لمذهبه بالرّفض يرمى وليّ الطّهر حيدرة و ذاك يعرب عن أقصى تنصّبه كن دائما لدليل الحقّ متّبعا لا للّذي قاله الآباء و انتبه و ابن المطهّر وافى بالدّليل فإن أردت إدراك عين الحقّ فأت به إنّ السّباب سلاح العاجزين و بالبرهان إن كان يبدو كلّ مشتبه و الشّتم لا يلحق المشتوم تبعته لكنّه عائد في وجه صاحبه و ابن المطهّر قد طابت خلائقه داع إلى الحقّ خال من تعصّبه و لابن تيميّة ردّ عليه و ما أجاد في ردّه في كلّ أضربه حسب ابن تيميّة ما كان قبل جرى له و عاينه من أهل مذهبه في مصر أو في دمشق و هو بعد قضى في السّجن ممّا رأوه من مصائبه مجسّم و تعالى اللّٰه خالقنا عن أن يكون له بالجسم من شبه بذاك صرّح يوما فوق منبره بالشّام حسبك هذا من معائبه اللّٰه ينزل من فوق السّماء كما نزلت عن منبري ذا من عجائبه

الصفحه : 34

قد شاهد ابن جبير ذاك منه على مسامع الخلق أقصاه و أقربه

و الأبيات الّتي أرسلها العلّامة إلى ابن تيميّة و جوابها الّذي أجاب به الشّمس الموصليّ، قد نقلها ابن عراق في تذكرته فيما حكاه عنه صاحب مجالس المؤمنين، فقال: قال الشّيخ نور الدّين عليّ بن عراق المصريّ في تذكرته:

إنّ الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة كان معاصرا للشّيخ جمال الدّين و يتكلّم على الشّيخ جمال الدّين في غيابه، فكتب إليه الشّيخ جمال الدّين:

لو كنت تعلم كلّما علم الورى طرّا لصرت صديق كلّ العالم لكن جهلت فقلت إنّ جميع من يهوى خلاف هواك ليس بعالم

فكتب الشّيخ شمس الدّين محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الموصليّ في جوابه هذين البيتين:

يا من يموّه في السّؤال مسفسطا إنّ الّذي ألزمت ليس بلازم هذا رسول اللّٰه يعلم كلّما علموا و قد عاداه جلّ العالم

قال السّيد الأمين:

السفسطة، هي من الشّمس الموصليّ، فالعلّامة الحلّي يقول: إنّ ردّك عليّ لجهلك بما أقول و عدم فهمك إيّاه على حقيقته، فلو علمت كلّ ما علم الورى و وصل إليه علمهم من الحقّ، لكنت تذعن لهم و لا تعاديهم، لكنّك جهلت حقيقة ما قالوا فنسبت من لا يهوى هواك منهم إلى الجهل فهو نظير قول القائل:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني و علمت أنّك جاهل فعذرتكا

فأين هذا من نقضه السّوفسطائي بأنّ رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يعلم كلّما يعلمه النّاس و قد عاداه جلّ النّاس. و لمّا اطّلعت على بيتي الموصليّ خطر بالبال هذان البيتان:

أحسنت في التّشبيه كلّ معاند لوليّ آل المصطفى و مقاوم

الصفحه : 35

مثل المعاند للنّبيّ محمّد و الحقّ متّضح لكلّ العالم

أمّا نسبته إلى غاية الشّح: فلا تكاد تصحّ و لا تصدّق في عالم فقيه عظيم عرف مذامّ الشّح و قبحه. فهو إن لم يكن سخيّا بطبعه فلا بدّ أن يتسخّى بسبب علمه، مع أنّنا لم نجد ناقلا نقلها غيره، و ليس الباعث على هذه النّسبة إلّا عدم ما يعاب به في علمه و فضله و ورعه و تقواه فعدل إلى العيب بالشّح الّذي لم تجر عادة بذكره في صفة العلماء، بل و لا بذكر الكرم و السّخاء غالبا [1].

و قد ذكر العلّامة كثير من علماء أهل السنّة في غير هذه الكتب، لم نثبت ما قالوا به، لعدم وجودها في مكتبتنا، و من أحبّ الاستزادة، فليرجع إلى:

فهرس دار الكتب ج 1 ص 567، و الفهرس التّمهيديّ ص 170 و 268 و 331، و ابن الورديّ ج 2 ص 279، و قال فيه: من غلاة الشّيعة، و المنهل الصّافي، و غيرها.

مؤلّفاته و آثاره العلميّة

لقد برع العلّامة في علم الفقه و أصوله و ألّف فيهما المؤلّفات المتنوعة من مطوّلات و متوسّطات و مختصرات، كانت كلّها محطّ أنظار العلماء في البحث و التّدريس و التّحقيق. كما برع في الحكمة العقليّة حتّى أنّه باحث الحكماء السّابقين في تأليفاته و أورد عليهم الإشكالات فيها، و حاكم بين شرّاح الإشارات لابن سينا، و ناقش أستاذه: إمام الكلام الخواجة نصير الدّين الطّوسيّ، حتّى أنّه لمّا سئل بعد عودته من زيارته لمدينة الحلّة عمّا شاهده فيها قال: رأيت خرّيتا ماهرا، و عالما إذا جاهد فاق. عنى بالخرّيت الماهر: المحقّق الحلّي، و بالعالم: عيلمنا المترجم له، و جاء في ركاب الخواجة نصير الدّين من الحلّة إلى بغداد فسأله في الطّريق عن اثنتي عشرة مسألة من مشكلات العلوم، إحداها: انتقاض حدود‌


[1] أعيان الشّيعة ج 5 ص 398.

الصفحه : 36

الدّلالات بعضها ببعض. و باحث الفيلسوف الإسلاميّ الكبير ابن سينا و خطّأه، و كتب في علم أصول الدّين و فنّ المناظرة و الجدل و علم الكلام من الطّبيعيات و الإلهيّات و الحكمة العقليّة و مباحثة ابن سينا، و ألّف في الرّدّ على الخصوم و الاحتجاج المؤلّفات الكثيرة النّافعة، و ليس أدلّ على سبقه في هذا الفنّ من مناظرته المشهورة الّتي تشيّع بعدها السّلطان على يده- كما سنذكرها لاحقا.

و مهر في علم المنطق و ألّف فيه التّصانيف الكثيرة و تقدّم في معرفة الرّجال، و ألّف فيه المطوّلات و المختصرات، إلّا أنّ بعضها فقد، و لم يعرف له غير (الخلاصة) و تفوّق في علم الحديث، و تفنّن في التّأليف فيه و في شرح الأحاديث و لكن فقدت مؤلّفاته في الحديث، كما برع في علم التّفسير و كتب فيه، و في الأدعية المأثورة و في علم الأخلاق، و تربّى على يده من العلماء الكبار، العدد الكثير و فاقوا علماء أعصارهم، و هاجر إليه الشّهيد الأول من جبل عامل ليقرأ عليه، فوجده قد توفّي فقرأ على ولده- فخر المحقّقين- تيمّنا و تبرّكا، لا حاجة و تعلّما، و لذلك قال فخر المحقّقين: استفدت منه أكثر ممّا استفاد منّي.

و له في مختلف العلوم و شتّى الحقول الثّقافيّة كتب كثيرة نافعة اشتهر صيتها في جميع البلدان من عصره إلى اليوم.

ذكر في نقد الرّجال أنّ له أكثر من سبعين مؤلّفا، و ذكر الطّريحيّ في مجمع البحرين مادّة (علم) أنّه: رأى خمسمائة مجلّد بخطّه، و لكنّ العلّامة نفسه ذكر في (خلاصة الأقوال) أسماء 67 مصنّفا له، و في إجازته لمهنّأ بن سنان الّتي كتبها قبل وفاته بستّ سنوات ذكر 52 منها.

و أورد العلّامة المدرّس الخيابانيّ في «ريحانة الأدب» 120 عنوانا لتأليفاته:

15 منها فقهيّة، و 10 أصوليّة، و أكثر من أربعين مجلّدا في الكتب الكلاميّة و الفلسفيّة.

و ذكر العلّامة آغا بزرگ الطّهرانيّ في طبقات أعلام الشّيعة عن رجال أبي‌

الصفحه : 37

عليّ في ترجمة العلّامة عن بعض شرّاح التّجريد أنّه: بلغ أسماء تصانيفه نحوا من ألف عنوان.

و في الرّياض: قد اشتهر أنّ مؤلّفات العلّامة بلغت في الكثرة إلى حدّ لو قسّمت على أيّام عمره، لكان لكلّ يوم ألف بيت، أي: ألف سطر، كلّ سطر خمسون حرفا.

و في اللؤلؤة: لقد قيل: انّه وزّع تصنيف العلّامة على أيّام عمره- من ولادته إلى موته- فكان قسط كلّ يوم كرّاسا، مع ما كان عليه من الاشتغال بالإفادة و الاستفادة و التّدريس و الأسفار، و الحضور عند الملوك، و المباحثات مع الجمهور، و القيام بوظائف العبادة و المراسم العرفيّة، و نحو ذلك من الأشغال، و هذا هو العجب العجاب، الّذي لا شكّ فيه و لا ارتياب إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب.

و نقل بعض متأخّري الأصحاب أنّه ذكر ذلك عند العلّامة المجلسيّ فقال:

و نحن بحمد اللّٰه لو وزّعت تصانيفنا على أيّامنا، كانت كذلك. فقال بعض الحاضرين: إنّ تصانيف مولانا الآخوند مقصورة على النّقل، و تصانيف العلّامة مشتملة على التّحقيق و البحث بالعقل. فسلّم له ذلك حيث كان الأمر كذلك.

و إليك أسماء كتبه مرتّبة على حسب حروف الهجاء:

1- آداب البحث- رسالة مختصرة- توجد نسخة في خزانة المولى محمّد عليّ الخوانساريّ في النّجف الأشرف.

2- الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة- ذكره مؤلّفه في الخلاصة، عليه شرح للشّيخ ناصر بن إبراهيم البويهيّ، و شرح للملّا هادي السّبزواريّ، يوجدان في الخزانة الرّضوية المقدّسة.

3- إثبات الرّجعة- توجد نسخة في مكتبة مدرسة فاضل خان بمدينة مشهد كما ذكر ذلك صاحب الذّريعة، و مكتبة جامعة طهران.

4- الإجازة الكبيرة لبني زهرة- ذكرها صاحب أمل الآمل- و هم خمسة‌

الصفحه : 38

أ- علاء الدّين أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن محمّد بن أبي الحسن بن أبي المحاسن زهرة الحسينيّ الحلبيّ.

ب- ولده شرف الدّين أبو عبد اللّٰه الحسين بن عليّ.

ج- أخوه بدر الدّين أبو عبد اللّٰه محمّد بن إبراهيم.

د- ولده أمين الدّين أبو طالب أحمد بن محمّد.

ه‌- ولده الآخر عزّ الدّين أبو محمّد الحسن بن محمّد.

5- الإجازة الكبيرة للسّيد نجم الدين مهنّأ بن سنان بن عبد الوهّاب الحسنيّ المدنيّ، ذكر فيها فهرس تصانيفه.

6- الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمّة الطّاهرة- عليهم السّلام. ورد في بعض نسخ الخلاصة، أنّه: يقع في أربعة أجزاء.

7- الأربعون مسألة في أصول الدّين.

8- إرشاد الأذهان إلى معرفة أحكام الإيمان- في الفقه- قال صاحب الذّريعة: مجلّد حسن التّرتيب مبلغ مسائله خمسة عشر ألف مسألة. و هو كثير الحواشي و الشّروح، ذكر منها 38 شرحا و حاشية مختلفة لأهل العصر، و منها نحو عشرين شرحا لمشاهير العلماء القدماء، من جملتها تسعة شروح للعلماء العامليّين القدماء. و من شروحه: الهادي إلى الرّشاد.

9- استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار- قال العلّامة عنه: ذكرنا فيه كلّ حديث وصل إلينا، و بحثنا في كلّ حديث على صحّة السّند، أو إبطاله، و كون متنه محكما أو متشابها، و ما اشتمل عليه المتن من المباحث الأصوليّة و الأدبيّة و ما يستنبط من المتن من الأحكام الشّرعيّة و غيرها، و هو كتاب لم يعمل مثله. و أشار إليه في كتابه المختلف في مسألة سؤر كلّ ما يؤكل لحمه بما دلّ على أنّه في غاية البسط.

10- استقصاء (البحث) و النّظر في القضاء و القدر- و كأنّما هي الّتي‌

الصفحه : 39

و سمها البعض برسالة: إبطال الجبر، الّتي ألّفها للسّلطان خدابنده، لمّا سأله بيان الأدلّة الدّالّة على أنّ العبد مختار في أفعاله و أنّه غير مجبور عليها، و قد ألّف بعض علماء الهند- من غير الشّيعة- قديما كتابا في ردّه، فكتب القاضي الشّهيد التّستريّ ردّا عليه سمّاه (النّور الأنور في تنوير خفايا رسالة، القضاء و القدر) زيّف فيه اعتراضات الهنديّ على العلّامة، و قد طبعه الشّيخ عليّ الخاقاني بالنّجف الأشرف عام 1354 ق.

11- الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة- من الحكمة و الكلام و المنطق، ثلاثة أجزاء، موجود في المكتبة الحيدريّة بالنّجف الأشرف، يردّ به على الفلاسفة، ألّفه باسم هارون بن شمس الدّين الجوينيّ، توجد نسخة أيضا في مكتبة الإمام الحكيم العامّة بالنّجف الأشرف و يظهر أنّها بخطّ العلّامة، تقع في 460 صفحة.

12- الإشارات إلى معاني الإشارات. مجلّد، و هو من شروح العلّامة على كتاب الإشارات لابن سينا.

13- الألفين في إمامة أمير المؤمنين- عليه السّلام- كتبه بطلب من ولده فخر المحقّقين و لم يتمّه بسبب موافاة الأجل، و أتمّه ولده من بعده. قال العلّامة في مقدّمته:

أمّا بعد فإنّ أضعف عباد اللّٰه تعالى، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي يقول: أجبت سؤال ولدي العزيز عليّ: محمّد، أصلح اللّٰه أمر داريه، كما هو برّ بوالديه، و رزقه أسباب السّعادات الدّنيويّة و الأخرويّة، كما أطاعني في استعمال قواه العقليّة و الحسّيّة، و أسعفه ببلوغ آماله، كما أرضاني بأقواله و أفعاله، و جمع له بين الرّئاستين، كما لم يعصني طرفة عين من إملاء هذا الكتاب الموسوم بكتاب الألفين، الفارق بين الصّدق و المين. أورد فيه ألفا و ثمانية و ثلاثين دليلا على وجوب عصمة الإمام أمير المؤمنين- عليه السّلام.

الصفحه : 40

14- أنوار الملكوت في شرح فصّ الياقوت- في الكلام- لأبي إسحاق إبراهيم النّوبختيّ. مطبوع في إيران ضمن منشورات جامعة طهران.

15- إيضاح الاشتباه في أسماء الرّواة- مطبوع، و قد رتّبه على النّهج المألوف: جدّ صاحب الرّوضات، و زاد عليه أيضا: ابن ملّا محسن الكاشانيّ، و طبع من فهرست الشّيخ في اوربّا، كما أنّه مطبوع منضمّا إلى فهرست الشّيخ في كلكته.

16- إيضاح التّلبيس من كلام الرّئيس- قال في الخلاصة: باحثنا فيه الشّيخ أبا عليّ بن سينا.

17- إيضاح مخالفة السّنّة- و هو يعدّ من كتب التّفاسير لما فيه من تفسير الآيات و بيان مداليلها- توجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشّورى الإسلاميّ بطهران.

18- إيضاح المعضلات من شرح الإشارات- و هو شرح لشرح أستاذه الخواجة نصير الطّوسيّ على إشارات ابن سينا الموسوم بحلّ مشكلات الإشارات.

19- إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد- و هو شرح لكتاب حكمة العين، للكاتبيّ القزوينيّ المعروف بدبيران، توجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران.

20- الباب الحادي عشر فيما يجب على عامّة المكلّفين، من معرفة أصول الدّين- ألحقه بمختصر مصباح المتهجّد الموسوم بمنهاج الصّلاح في اختصار المصباح، و هو مطبوع مع شرحه للفاضل المقداد السّيوريّ، له شروح بلغت 22 شرحا، كما ذكره صاحب الذّريعة.

21- بسط الإشارات- مجلّد، و هو شرح إشارات الشّيخ الرّئيس ابن سينا.

22- بسط الكافية- و هو اختصار شرح الكافية في النّحو، ذكره العلّامة في الخلاصة.

الصفحه : 41

23- تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين، و هو كتاب فتوائي في الفقه.

مطبوع و عليه عدّة شروح مختلفة لأهل هذه الأعصار، ناهزت الثّلاثين شرحا، كما يوجد عليه شرح أيضا للعلّامة المحقّق السّيد محسن الأمين العامليّ، مطبوع معه.

24- تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثّلاثة: المنطق، و الطّبيعيّ، و الإلهيّ- مجلّد.

25- تحرير الأحكام الشّرعية على مذهب الإماميّة- فتوائيّ في الفقه- يقع في أربعة مجلّدات، مطبوع كلّه في مجلّد واحد.

قال عنه في الخلاصة: حسن جيّد استخرجنا فيه فروعا لم نسبق إليها مع اختصار. و قال صاحب الذّريعة: أحصيت مسائله، فبلغت أربعين ألف مسألة، و عليه عدّة شروح.

26- تحصيل السّداد شرح واجب الاعتقاد. مطبوع.

27- تحصيل الملخّص- و يبدو أنّه شرح على ملخّص فخر الدّين الرّازيّ في الحكمة و المنطق، ذكره العلّامة في جواب مسائل مهنّأ بن سنان، و قال: انّه خرج منه مجلّد، و يظهر أنّه لم يكمل حتّى ذلك الوقت.

28- تذكرة الفقهاء- قال في الخلاصة: خرج منه إلى النّكاح أربعة عشر جزءا. و هو مطبوع في مجلّد كبير، يعدّ هذا الكتاب أوّل موسوعة فقهيّة زاخرة في الفقه المقارن، فريدة من نوعها في تاريخ تطوّر الفقه الإماميّ من حيث السّعة و الإحاطة و الشّمول و المقارنة، و تطوّر مناهج البحث العلميّ، و هو بعد هذا و ذاك:

يعدّ مرجعا لمذهب الإماميّة، و لكلّ المذاهب الإسلاميّة الأخرى.

29- تسبيل الأذهان إلى أحكام الإيمان- في الفقه، مجلّد.

30- تسليك الأفهام في معرفة الأحكام- في الفقه.

31- تسليك النّفس إلى حضرة القُدس- في بيان نكات علم الكلام و دقائقه. توجد نسخة منه في الخزانة الغرويّة بالنّجف الأشرف.

الصفحه : 42

32- التّعليم الثّاني التّام- في الحكمة و الكلام. يقع في عدّة مجلّدات، خرج منه بعضها كما في بعض نسخ الخلاصة.

33- تلخيص الفهرست للشّيخ الطّوسيّ- بحذف الكتب و الأسانيد.

34- تلخيص المرام في معرفة الأحكام- في قواعد الفقه و مسائله.

35- التّناسب بين الأشعريّة و فرق السّوفسطائيّة.

36- تنقيح قواعد الدّين المأخوذة عن آل ياسين- عليهم السّلام- يقع في عدّة أجزاء.

37- تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول- توجد منه نسخة في المكتبة الرّضويّة في مشهد بالطّبعة الحجريّة من نسخ طهران بتاريخ 1308 ق، و كان المرحوم الشّيخ محمّد صالح العلّامة الحائريّ قد أوقفها للمكتبة، و بهامش هذا الكتاب شرح من السّيد عميد الدّين، موسوم بمنيّة اللّبيب في شرح التّهذيب.

قال في الخلاصة: صنّفه باسم ولده فخر المحقّقين. و هو مطبوع، و كان عليه مدار التّدريس في العراق و جبل عامل قبل المعالم، و عليه شروح و حواش كثيرة جدّا، ذكرها العلّامة الآغا بزرگ في الذّريعة.

38- تهذيب النّفس في معرفة المذاهب الخمس.

39- جامع (مجامع) الأخبار.

40- جوابات مسائل مهنّأ بن سنان المدني الأولى.

41- جوابات مسائل مهنّأ بن سنان المدنيّ الثّانية.

42- جواهر المطالب في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.

43- الجوهر النّضيد في شرح منطق التّجريد. و هو مطبوع.

44- حاشية التّلخيص- كتبها على تلخيص الأحكام.

45- حاشية على قواعد الأحكام- كتبها على كتابه القواعد.

46- خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرّجال- رتّبه قسمين: الأوّل: فيمن‌

الصفحه : 43

يعتمد عليه، و الثّاني: فيمن يتوقّف فيه. مجلّد مطبوع. و قد اعتنى بأقواله كلّ من كتب في الرّجال، فنقلوها كلّها في كتبهم مع أنّه يقتصر غالبا على ما في فهرست الشّيخ و رجال النّجاشي، و قد يزيد عنهما.

47- خلاصة الأخبار. قال آية اللّٰه المرعشي النّجفي: و هو صغير، و عندنا نسخة منه، كتب بعض العلماء على ظهرها: أنّه بعينه خلاصة الأخبار من تآليف مولانا العلّامة.

48- الدّر المكنون في علم القانون- في المنطق.

49- الدّرّ و المرجان في الأحاديث الصّحاح و الحسان- مجلّد، و قيل: يقع في عشرة أجزاء. و هذا الكتاب و النّهج الوضّاح و المصابيح و استقصاء الاعتبار ليس لها عين و لا أثر، و يبدو أنّه ضاعت و ذهبت بذهاب حوادث الدّهر.

50- الرّسالة السّعديّة- في الكلام- مطبوعة. صنّفها في سفره مع السّلطان خدابنده ببلدة جرجان.

51- رسالة في تحقيق معنى الإيمان، و نقل الأقوال فيه.

52- رسالة مختصرة في جواب السّلطان محمّد خدابنده عن حكمة النّسخ في الأحكام الشّرعيّة.

53- رسالة في جواب سؤالين سأل عنهما رشيد الدّين فضل اللّٰه الطّبيب الهمدانيّ وزير غازان بن أرغون المغولي، و وزير أخيه محمد خدابنده. موجودة في مكتبة الشّيخ علي المدرّس. قال في مقدّمتها كما في النّسخة الّتي موجودة عند الشّيخ المدرّس:

يقول العبد الفقير إلى اللّٰه تعالى حسن بن يوسف بن المطهّر:

إنّني لمّا أمرت بالحضور بين يدي الدّرگاه [1] المعظّمة الممجّدة الإيلخانيّة،


[1] كلمة فارسيّة، معناها: البلاط.

الصفحه : 44

أيّد اللّٰه سلطانها، و شيّد أركانها، و أعلى على الفرقدين شأنها، و أمدّها بالدّوام و الخلود، إلى يوم الموعود، و كبت كلّ عدوّ لها و حسود، وجدت الدّولة القاهرة مزيّنة بالمولى الأعظم، و الصّاحب الكبير المخدوم المعظّم، مربّي العلماء، و مقتدى الفضلاء، أفضل المحقّقين، رئيس المدقّقين، صاحب النّظر الثّاقب، و الحدس الصّائب، أوحد الزّمان، المخصوص بعناية الرّحمن، المميّز عن غيره من نوع الإنسان، ترجمان القرآن، الجامع لكمالات النّفس، المترقّي بكماله إلى حظيرة القدس، ينبوع الحكمة العمليّة، و موضع أسرار العلوم الرّبّانيّة، موضّح المشكلات، و مظهر النّكت الغامضات، وزير الممالك شرقا و غربا، و بعدا و قربا، خواجه رشيد الملّة و الحقّ و الدّين- أعزّ اللّٰه أنصاره، و ضاعف أقداره، و أيّده بالألطاف، و أمدّه بالإسعاف- وجدت فضله بحرا لا يساجل، و علمه لا يقاس و لا يماثل، و حضرت بعض اللّيالي خدمته للاستفادة من نتائج قريحته، فسئل تلك اللّيلة سؤالين مشكلين، فأجاد في الجواب عنهما، و أوردت في هذه الرّسالة تقرير ما بيّنه. إلخ.

السّؤال الأوّل: أنّه من المعلوم أنّ النّبيّ- صلّى اللّٰه عليه و آله- أعلى مرتبة من الوصيّ، و قد قال (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) كما حكاه القرآن الكريم، و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا؟.

السّؤال الثّاني: في الجمع بين قوله تعالى (وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ، فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) و قوله تعالى (فَيَوْمَئِذٍ لٰا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لٰا جَانٌّ). انتهى ما في النّسخة.

قال العلّامة السّيد محسن الأمين العامليّ جوابا على هذين السّؤالين:

يمكن الجواب عن السّؤال الأوّل: بأنّ قول أمير المؤمنين- عليه السّلام-: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا) معناه: بلوغ أقصى درجات الإيمان باللّٰه تعالى، و أقصى ما يمكن من معرفة اللّٰه تعالى، و قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله-: (ربّ زدني‌

الصفحه : 45

علما) يدلّ على أنّ علمه قابل للزّيادة، و هو لا ينافي بلوغه أقصى درجات الإيمان، و أقصى ما يمكن من معرفة اللّٰه تعالى.

و أمّا الجمع بين ما دلّ على سؤال العباد يوم القيامة و ما دلّ على عدم سؤالهم: بأنّ عدم السّؤال عمّا يصدر منهم في ذلك الموقف، و السّؤال: عمّا صدر في دار الدّنيا.

و قيل: لا يُسأل: سؤال استفهام، لأنّ اللّٰه قد أحصى الأعمال، و إنّما يسأل سؤال تقريع.

و رشيد الدين، هو: فضل اللّٰه الطّبيب الهمذانيّ وزير غازان خان و أخيه الجايتو (خدابنده) محمّد خان المغولي. و صاحب الدّرگاه المذكور، هو: الجايتو محمّد الّذي تشيّع على يد العلّامة، و كان اجتماعه بهذا الوزير في ذلك السّفر الّذي حضر فيه عند الجايتو [1].

54- رسالة في خلق الأعمال.

55- رسالة في شرح الكلمات الخمس لأمير المؤمنين- عليه السّلام- في جواب صاحبه كميل بن زياد النّخعيّ. و قد طبعت في ضمن مجموعة بطهران.

56- رسالة في واجبات الحج و أركانه- من دون ذكر الأدعية و المستحبّات و نحوها.

57- رسالة في واجبات الحج و أركانه- من دون ذكر الأدعية و المستحبّات و نحوها.

57- رسالة في واجبات الوضوء و الصّلاة- ألّفها باسم الوزير (ترمتاش) ذكرها صاحب الرّياض.

58- شرح الحديث القدسيّ.

59- شرح حكمة الإشراق- في الفلسفة، للسّهرورديّ المقتول سنة 587 ق، و هذا الكتاب غير شرح حكمة العين.


[1] أعيان الشّيعة ج 5 ص 400.

الصفحه : 46

60- غاية الأحكام في تصحيح تلخيص المرام- كتبه على كتابه التّلخيص.

61- غاية السّؤول في شرح مختصر منتهى المأمول.

62- قواعد الأحكام في معرفة مسائل الحلال و الحرام- مجلّدان، بلغت مسائله 6600 مسألة شرعيّة. و هو كثير الشّروح و الحواشي، منها: شرح السّيد عميد الدّين- ابن أخت العلّامة- و لولد العلّامة: فخر المحقّقين: إيضاح على كتاب الفوائد في شرح القواعد.

63- القواعد الجليّة في شرح الرّسالة الشّمسية، لاستاذه الكاتبيّ المعروف بدبيران. توجد نسخته بخطّه الشّريف في الخزانة الرّضويّة المقدّسة.

64- القواعد و المقاصد- في المنطق و الطّبيعيّ و الإلهيّ.

65- القول (السّرّ) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.

66- كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار- مجلّد.

67- كتاب السّلطان.

68- كشف الحقّ و نهج الصّدق- مطبوع في بغداد- صنّفه باسم السلطان خدابنده، كما صرّح العلّامة في خطبته، و هو الّذي ردّه الفضل بن روزبهان، و ردّ على ردّ الفضل: القاضي الشّهيد نور اللّٰه التّستري بكتاب أسماه (إحقاق الحقّ و إزهاق الباطل) كما ردّ عليه أيضا: الحجّة الحسن المظفّر بكتاب أسماه (دلائل الصّدق) و هما مطبوعان.

69- كشف الخفاء من كتاب الشّفاء- في الحكمة- لابن سينا. خرج منه مجلّدات.

70- كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.

71- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد- لاستاذه الخواجة نصير الدّين الطّوسيّ- في علم الكلام. مطبوع، و له شرح منطقة خاصّة أسماه (الجوهر النضيد في شرح منطق التّجريد).

الصفحه : 47

72- كشف (حلّ) المشكلات من كتاب التّلويحات- يقع في مجلّدين.

73- كشف المقال في معرفة أحوال الرّجال- و هو أكبر من كتابه الخلاصة و يحيل عليه فيها. و في إيضاح الاشتباه: لا وجود له- كما ذكر سلفا.

74- كشف المكنون من كتاب القانون- و هو اختصار شرح الكافية في النّحو.

75- كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين- عليه السّلام- مطبوع.

76- لبّ الحكمة.

77- المباحث و المعارضات النّصيريّة.

78- مبادي الوصول إلى علم الأصول- مطبوع بتحقيق الأستاذ البقّال.

79- المحاكمات بين شرّاح الإشارات- ذكره العلّامة في المسائل المهنّائيّة، يقع في ثلاثة مجلّدات.

80- مختصر شرح نهج البلاغة- ذكره في الخلاصة، و استظهر غير واحد أنّه مختصر الشّرح الكبير لاستاذه ابن ميثم البحراني المتوفى سنة 679 ق.

81- مختلف الشّيعة في أحكام الشّريعة. قال عنه في الخلاصة: ذكرنا فيه خلاف علمائنا خاصّة، و حجّة كلّ شخص و التّرجيح لما نصير إليه.

و يعدّ هذا الكتاب واحدا من أفخر الكتب الدّراسيّة الّتي تستعرض المسائل الخلافيّة بين فقهاء الشّيعة الإماميّة أنفسهم بشكل متفرّد، و هو عطاء فقهيّ علميّ غزير و ثريّ، و لم يصنّف بعده كتاب يماثله من حيث السّعة و الشّموليّة. يقع في سبعة مجلّدات مطبوعة.

82- مدارك الأحكام- في الإجازة: يخرج منه الطّهارة و الصّلاة. مجلد، و منه أخذ صاحب المدارك اسم الكتابة.

83- مراصد التّدقيق و مقاصد التّحقيق- في المنطق و الطّبيعيّ و الإلهيّ- نسخة المنطق موجودة بمكتبة جامعة طهران، و نسخة الإلهيّ في مكتبة النّصيريّ‌

الصفحه : 48

بطهران.

84- مرثيّة الحسين- عليه السّلام.

85- مصابيح الأنوار- قال عنه: ذكرنا فيه كلّ أحاديث علمائنا، و جعلنا كلّ حديث يتعلّق بفنّ في بابه، و رتّبنا كلّ فنّ على أبواب ابتدأنا فيها بما روي عن النّبيّ- صلّى اللّٰه عليه و آله- ثمَّ بما روي عن أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام- و هكذا. إلى آخر الأئمّة- عليهم السّلام.

86- المطالب العليّة في علم العربيّة- ذكره في الخلاصة. آ 87- معارج الفهم في شرح النّظم- في الكلام- و هو شرح لكتابة: نظم البراهين- الآتي ذكره.

88- المعتمد- في الفقه.

89- المقاصد الوافية بفوائد القانون و الكافية- قال عنه في الخلاصة: جمعنا فيه بين الجزوليّة و الكافية في النّحو، مع تمثيل ما يحتاج إلى المثال.

90- المقاومات- قال عنه في الخلاصة: باحثنا فيه الحكماء السّابقين، و هو يتمّ مع تمام عمرنا.

91- مقصد (مقاصد) الواصلين في معرفة أصول الدّين- ذكره في الخلاصة:

و أنَّه يقع في مجلد- كما في إجازته لمهنأ بن سنان المدني.

92- المناهج السوية.

93- منتهى المطلب في تحقيق المذهب- قال عنه في الخلاصة: لم يعمل مثله، ذكرنا فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه، و رجّحنا ما نعتقده بعد إبطال حجج من خالفنا فيه، يتمّ إن شاء اللّٰه تعالى عملنا منه إلى هذا التّاريخ و هو: شهر ربيع الآخر سنة 693 ق. سبعة مجلّدات مطبوع بالحجريّ. و مطبوع بالطّبع الحديث بتحقيق قسم الفقه و الأصول بمؤسّسة البحوث الإسلاميّة التّابعة للرّوضة الرّضويّة المقدّسة، يقوم بتحقيقه أيضا مؤسّسة آل البيت- عليهم السّلام- لإحياء التّراث، بقم‌

الصفحه : 49

المشرّفة.

94- منتهى الوصول إلى علمي الكلام و الأصول- ذكره في إجازة السّيد مهنّأ بن سنان في عداد كتب أصول الفقه، و لو لا ذلك لظنّ أنّه في أصول الدّين لذكر الأصول فيه مع الكلام.

95- منهاج السّلامة إلى معراج الكرامة- في الكلام- ذكره في الخلاصة.

96- منهاج الصّلاح في اختصار المصباح- و هو مختصر كتاب (مصباح المتهجّد) للشّيخ الطّوسيّ، ألّفه بطلب من الوزير محمّد بن محمّد القوفهديّ، و رتّبه على عشرة أبواب ثمَّ ألحق به كتاب الباب الحادي عشر في أصول الدّين- كما بيّنّا سابقا.

97- منهاج (تاج) الكرامة في إثبات الإمامة- سمّاه صاحب كشف الظّنون (منهاج الاستقامة) و هو مطبوع مستقلا على هامش بعض طبقات كتاب الألفين، صنّفه باسم السّلطان خدابنده، و هو الّذي ردّ عليه ابن تيميّة بكتاب أسماه (منهاج السّنّة) و ردّ على منهاج السّنّة: السيّد محمّد مهدي القزوينيّ بكتاب أسماه:

(منهج الشّريعة) و هو مطبوع في مجلّدين.

98- منهاج الهداية و معراج الدّراية- في علم الكلام.

99- منهاج اليقين في أصول الدّين- عليه شرح لابن العتائقي، موجود في الخزانة الغرويّة الشّريفة، أسماه: (الإيضاح و التّبيين).

100- المنهاج في مناسك الحاج، 101- نظم البراهين في أصول الدّين- ذكره في الخلاصة، و للمصنّف نفسه شرح عليه- تقدّم ذكره.

102- النّكت البديعة في تحرير الذّريعة- للسّيد المرتضى، في أصول الفقه. ذكره العلّامة في الخلاصة.

103- نهاية الأحكام في معرفة الحلال و الحرام- توجد نسخة من أوّله إلى‌

الصفحه : 50

كتاب البيع في مكتبة الإمام الحكيم العامّة بالنّجف الأشرف بتاريخ 859 ق.

104- نهاية الفقهاء. ذكره العلّامة المجلسيّ الثّاني و عدّه من كتبه.

105- نهاية المرام في علم الكلام- يقع في أربعة أجزاء، ذكره في إجازته المهنّائيّة.

106- نهاية الوصول إلى علم الأصول- يقع في أربعة مجلّدات.

107- نهج الإيمان في تفسير القرآن. قال عنه في الخلاصة: ذكرنا فيه ملخّص الكشّاف و التّبيان و غيرهما.

108- نهج العرفان في علم الميزان- في المنطق- مجلّد.

109- نهج المسترشدين في أصول الدّين- مطبوع مع شرحه للفاضل المقداد السّيوريّ.

110- نهج الوصول إلى علم الأصول.

111- النّهج الوضّاح في الأحاديث الصّحاح.

112- النّور المشرق في علم المنطق.

113- الهادي.

114- واجب الاعتقاد على جميع العباد- في الأصول و الفروع- و عليه شرح للفاضل المقداد السّيوريّ، طبع حديثا بتحقيقنا، و على شرح الفاضل شرح اسمه:

نهج السّداد إلى شرح واجب الاعتقاد.

كتب منسوبة إليه

1- الإسرار في إمامة الأئمّة الأطهار. و هذا بعيد جدّا أن يكون له، لأنّه من تأليفات الحسن الطّبرسيّ، أو أحد العلماء الطّبرسيّين.

2- رسائل الدّلائل البرهانيّة في تصحيح الحضرة الغرويّة.

3- الكشكول فيما جرى على آل الرّسول.

الصفحه : 51

قال العلّامة السّيد محسن الأمين: أمّا نسبة الكشكول إليه، فهو سهو ظاهر، فإنّه ليس البتّة من مصنّفاته:

أمّا أوّلا: فلأن سياقه ليس على سياق مؤلّفاته كما لا يخفى على من تفحّصها و تأمّل فيها.

و أمّا ثانيا: فلأنّ في أوّل هذا أورد تاريخ التّأليف و قال: إنّه في سنة 735 ق، فهو بعد وفاة العلّامة بعشر سنين تقريبا، لأنّ وفاته سنة 726 ق.

و أمّا ثالثا: فلأنّه من مؤلّفات السّيد حيدر بن عليّ العبيدلي الآمليّ الحسينيّ الصّوفيّ الّذي وصل إلى خدمة الشّيخ فخر الدّين ولد العلّامة و أضرابه، و صرّح بذلك: القاضي نور اللّٰه التّستريّ في مجالس المؤمنين في ترجمة ذلك السّيد و غيره في غيره [1].

ما عيب عليه في التّأليف

قال في اللّؤلؤة ما حاصله بعد حذف الأسجاع:

كان لاستعجاله في التّصنيف و كثرة مؤلّفاته يرسم كلّما ترجّح عنده وقت التّأليف، و لا يراجع ما سبق له فيقع منه تخالف بين الفتاوى، و لذلك طعن عليه بعض المتحذلقين الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا، و جعلوا ذلك طعنا في أصل الاجتهاد، و هو خروج عن مذهب الصّواب و السّداد، و إنّ غلط بعض المجتهدين- على تقدير تسليمه- لا يستلزم بطلان أصل الاجتهاد متى ما كان مبنيّا على دليل الكتاب و السّنّة. انتهى.

و تعليقا على هذا، قال العلّامة السيّد محسن الأمين العامليّ:

مخالفة العلماء فتاواهم السّابقة في كتبهم بتجدّد اجتهادهم خارج عن حدّ‌


[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 407.

الصفحه : 52

الحصر، و قد جعل له العلماء بحثا خاصّا في باب الاجتهاد و التّقليد. و ليس العلّامة أوّل من وقع منه ذلك [1].

قصّة تشيّع السّلطان خدابنده

ذكر العلّامة المجلسيّ الأوّل في شرح الفقيه: أنّ السّلطان الجايتو محمّد المغولي الملقّب بشاة خدابنده [1] غضب على إحدى زوجاته فقال لها: أنت طالق ثلاثا، ثمَّ ندم، فسأل العلماء، فقالوا: لا بدّ من المحلّل، فقال: لكم في كلّ مسألة أقوال، فهل يوجد هنا اختلاف؟ فقالوا: لا، فقال أحد وزرائه: في الحلّة عالم يفتي ببطلان هذا الطّلاق، فقال العلماء: إنّ مذهبه باطل و لا عقل له و لا لأصحابه، و لا يليق بالملك أن يبعث إلى مثله، فقال الملك: أمهلوا حتّى يحضر و نرى كلامه، فبعث، فأحضر العلّامة الحلّيّ، فلمّا حضر جمع له الملك جميع علماء المذاهب، فلمّا دخل على الملك أخذ نعله بيده و دخل و سلّم و جلس إلى جانب الملك، فقالوا للملك: ألم نقل لك إنّهم ضعفاء العقول؟ فقال: اسألوه عن كلّ ما فعل.

فقالوا: لما ذا لم تخضع للملك بهيئة الرّكوع؟

فقال: لأنّ رسول اللّٰه- صلَّى اللّٰه عليه و آله و سلم- لم يكن يركع له أحد، و كان يسلّم عليه، و قال اللّٰه تعالى (فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً) و لا يجوز الرّكوع و السّجود لغير اللّٰه.

قالوا: فلم جلست بجنب الملك؟

قال: لأنّه لم يكن مكان خال غيره.


[1] ذكره هكذا: (خربندا) و سيأتي بيان خطئه.


[1] أعيان الشّيعة ج 5 ص 403.

الصفحه : 53

قالوا: فلم أخذت نعليك بيدك و هو مناف للأدب؟

قال: خفت أن يسرقه بعض أهل المذاهب، كما سرقوا نعل رسول اللّٰه- صلَّى اللّٰه عليه و آله.

فقالوا: إنّ أهل المذاهب لم يكونوا في عهد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-، بل ولدوا بعد المائة فما فوق من وفاته- صلَّى اللّٰه عليه و آله- كلّ هذا و التّرجمان يترجم للملك كلّما يقوله العلّامة.

فقال العلّامة للملك: قد سمعت اعترافهم هذا، فمن أين حصروا الاجتهاد فيهم و لم يجوّزوا الأخذ من غيرهم و لو فرض أنّه أعلم؟! فقال الملك: ألم يكن أحد من أصحاب المذاهب في زمن النّبيّ- صلّى اللّٰه عليه و آله- و لا الصّحابة؟.

قالوا: لا.

قال العلّامة: و نحن نأخذ مذهبنا عن علي بن أبي طالب نفس رسول اللّٰه- صلَّى اللّٰه عليه و آله- و أخيه، و ابن عمّه، و وصيّه، و عن أولاده من بعده. فسأله عن الطّلاق، فقال العلّامة: باطل، لعدم وجود الشّهود العدول.

و جرى البحث بينه و بين العلماء حتّى ألزمهم جميعا، فتشيّع الملك و خطب بأسماء الأئمّة الاثني عشر في جميع بلاده، و أمر فضربت السّكّة بأسمائهم و أمر بكتابتها على المساجد و المشاهد.

قال المجلسيّ: و الموجود بأصبهان في الجامع القديم في ثلاثة مواضع بتاريخ ذلك الزّمان، و في معبد (بيرمكران لنجان) و معبد (الشّيخ نور الدّين النّطنزيّ) من العرفاء و على منارة دار السّيادة الّتي تمّمها السّلطان المذكور بعد ما ابتدأ بها أخوه غازان.

و كان من جملة القائمين بمناظرة العلّامة: الشّيخ نظام الدّين عبد الملك المراغيّ- أفضل علماء الشّافعيّة- فاعترف المراغيّ بفضله، كما عن تاريخ الحافظ‌

الصفحه : 54

(أبرو) من علماء السّنّة و غيره.

من هو السّلطان؟

هو السّلطان المؤيّد غياث الدّين الجايتو محمّد المشتهر ب‌ (خدابنده) ابن أرغون شاه ابن أباقا خان ابن هولاكو خان بن تولوي خان بن چنگيزخان، الملك المغوليّ الشّهير.

كان خدابنده من أعدل الملوك و أرأفهم و أبرّهم للرّعيّة، ذا شوكة و نجدة و علوّ همّة، و حلم و وقار، و سكينة و سلامة نفس، و سخاء و كرم و سؤدد، وفقه اللّٰه للاستبصار، و انتقل إلى مذهب التّشيّع باختياره بعد ملاحظة أدلّة الطّرفين، و كان استبصاره ببركة العلّامة الحلّي.

قال المؤرّخ الجليل معين الدّين النّطنزيّ في كتابه (منتخب التّواريخ):

إنّ السّلطان محمّد خدابنده الجايتو: كان ذا صفات جليلة، و خصال حميدة، لم يقترف طيلة عمره فجورا و فسقا، و كان أكثر معاشرته و مؤانسته مع الفقهاء و الزّهاد و السّادة و الأشراف، مصّر بلدة السّلطانية و بنى فيها تربة لنفسه ذات قبّة سامية عجيبة، و عيّنها مدفنا له، وفّقه اللّٰه لتأسيس صدقات جارية، منها: أنّه بنى ألف دار من بقاعا لخير و المستشفيات و دور الحديث و دور الضّيافة و دور السّيادة و المدارس و المساجد و الخانقاهات بحيث أراح الحاضر و المسافر، و كان زمانه من خير الأزمنة لأهل الفضل و التّقى، ملك الممالك، و حكم عليها ستّ عشرة سنة، و كان من بلاد العجم إلى إسكندريّة مصر، و إلى ما وراء النّهر تحت سلطته، توفّي سنة 717 أو 719 ق، و دفن بمقبرته الّتي أعدّها قبل موته في بلدة (سلطانيّة).

و قال العلم النّسّابة المرعشي النّجفي في ترجمة السّلطان خدابنده:

إنّ لهذا الملك الجليل عدّة بنين و بنات، أشهرهم ابنه السّلطان أبو سعيد، و له و لإخوته عقب متسلسل و ذرّيّة مباركة، فيهم: الفقهاء و الأمراء و الشّعراء، و أرباب‌

الصفحه : 55

الفضل و الحجى و الورع و التّقى.

ثمَّ قال: و لا يذهب عليك أنّه بعد ما اختار التّشيّع، لقّب ب‌ (خدابنده) و بعض المتعصّبين من العامّة كابن حجر العسقلاني و غيره، غيّروا ذاك اللّقب الشّريف إلى (خربنده [1]) و ذلك لحميّتهم الجاهليّة الباردة، و من الواضح لدى العقلاء إنّ صيانة قلم المؤرّخ و طهارة لسانه و عفّة بيانه من البذاءة و الفحش من الشّرائط المهمّة في قبول نقله و الاعتماد عليه و الرّكون إليه، و من العجب أنّ بعض المتأخّرين من الخاصّة، تبع تعبير القوم عن هذا الملك الجليل، و لم يتأمّل أنّه لقب تنابزوا به، و ما ذلك إلّا لبغض آل الرّسول، الدّاء الدّفين في قلوبهم، و تلك الأحقاد البدريّة و الحنينيّة. و إلّا، فما ذنب هذا الملك؟ بعد اعترافهم بجلالته و عدالته، و شهامته و رقّة قلبه، و حسن سياسته و تدبيره [2].

مناظرة أخرى

و من مناظراته أيضا في نصرة مذهب أهل البيت- عليهم السّلام-: تلك الّتي كانت بحضرة السّلطان الجايتو أيضا في سنة 708 ق، و كان مائلا إلى الحنفيّة ثمَّ رجع إلى الشّافعيّة بعد ما وقع بحضرته مناظرة بين القاضي نظام الدّين عبد الملك الشّافعي و علماء الحنفيّة، فأفحمهم القاضي ثمَّ تحيّر هو و أمراؤه فبقوا متذبذبين في مدّة ثلاثة أشهر في تركهم دين الإسلام، و ندموا على تركهم دين الآباء بعد ما ورد عليه ابن صدرجهان الحنفيّ من بخارى، فوقعت بينه و بين القاضي مناظرة في جواز نكاح البنت المخلوقة من ماء الزّنا، حتّى قدم على السّلطان السيّد تاج الدّين الآويّ الإماميّ مع جماعة من الشّيعة، و ناظروا مع القاضي نظام الدّين بمحضر‌


[1] تعني بالفارسيّة: (عبد الحمار) و كلمة (خدابنده) تعني: (عبد اللّٰه).


[2] اللّئالي المنتظمة و الدّرر الثّمينة ص 70، 72.

الصفحه : 56

السّلطان في مباحث كثيرة، فعزم السّلطان على الرّواح إلى بغداد و زيارة الإمام أمير المؤمنين- عليه السّلام.

فلمّا ورد رأى بعض ما قوّى به دين الشّيعة، فعرض السّلطان الواقعة على الأمراء فحرّضه عليه من كان منهم في مذهب الشيعة فصدر الأمر بإحضار أئمّة الشّيعة، فطلبوا جمال الدّين العلّامة و ولده فخر المحقّقين، و كان مع العلامة من تأليفاته: كتاب (نهج الحق و كشف الصّدق) و كتاب: (منهاج الكرامة) فأهداهما إلى السّلطان و صار موردا للإلطاف، فأمر السّلطان قاضي القضاة نظام الدّين- أفضل علماء زمانهم- أن يناظر مع آية الله العلّامة، و هيّأ مجلسا عظيما مشحونا بالعلماء و الفضلاء، فأثبت العلّامة بالبراهين القاطعة و الدّلائل السّاطعة خلافة مولانا أمير المؤمنين- عليه السّلام- بعد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- بلا فصل، و أبطل خلافة الثّلاثة بحيث لم يبق للقاضي مجال للمدافعة و الإنكار، بل شرع في مدح العلّامة و استحسن أدلّته.

قال: غير أنّه لمّا سلك السّلف سبلا، فاللازم على الخلف أن يسلكوا سبيلهم لإلجام العوام، و دفع تفرّق كلمة الإسلام، يستر زلّاتهم، و يسكت في الظّاهر من الطّعن عليهم.

فدخل السّلطان و أكثر أمرائه- في ذلك المجلس- في مذهب الإماميّة، و أمر السّلطان في تمام ممالكه بتغيير الخطبة و إسقاط أسامي الثّلاثة عنها، و بذكر أسامي أمير المؤمنين- عليه السّلام- و سائر الأئمّة- عليهم السّلام- على المنابر، و بذكر (حيّ على خير العمل) في الأذان، و بتغيير السّكّة و نقش الأسامي المباركة عليها.

و لمّا انقضى مجلس المناظرة، خطب العلّامة خطبة بليغة شافية، حمد اللّٰه تعالى، و أثنى عليه، و صلّى على النّبيّ و آله- صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين- فقال السّيد ركن الدّين الموصليّ و كان ينتظر عثرة منه و لم يعثر عليها: ما الدّليل‌

الصفحه : 57

على جواز الصّلاة على غير الأنبياء؟ فقرأ العلّامة (الَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ) فقال الموصليّ: و ما الّذي أصاب عليّا و أولاده من المصيبة حتى استوجبوا الصّلاة عليهم؟ فذكر العلّامة بعض مصائبهم، ثمَّ قال له: أيّ مصيبة أعظم عليهم من أن يكون مثلك تدّعي أنّك من أولادهم، ثمَّ تسلك سبيل مخالفيهم، و تفضّل بعض المنافقين عليهم، و تزعم أنّ الكمال في شرذمة من الجهّال! فاستحسنه الحاضرون و ضحكوا على السيّد المطعون، فأنشد بعض من حضر:

إذا العلويُّ تابع ناصبيّا بمذهبه فما هو من أبيه و كان الكلب خيرا منه طبعا لانّ الكلب طبع أبيه فيه

و جعل السّلطان بعد ذلك السيّد تاج الدّين محمّد الآويّ- المتقدّم ذكره، و هو من أقارب السّيد الجليل رضي الدّين محمّد بن محمّد الآويّ- نقيب الممالك.

أقول: لعلّ هذه القصّة هي الّتي تشيّع بعدها السّلطان، فتكون واحدة مع الّتي ذكرناها سابقا من حيث المضمون، لأنّ فيها شبها كبيرا. و مهما يكن اختلاف في قصّة التّشيّع، فليس يختلف اثنان في أنّ العلّامة المترجم له سبب تشيّعه بعد ماظرة خالدة دارت بمحضر السّلطان نفسه.

مكاتبه في مسألة أصوليّة

حكى البحّاثة الكبير الميرزا عبد اللّٰه الأصفهاني في كتاب رياض العلماء عن كتاب لسان الخواص للآقا رضيّ القزوينيّ:

أنّ القاضي البيضاويّ لمّا وقف على ما أفاد العلّامة الحلّي في بحث الطّهارة من القواعد بقوله: و لو تيّقنهما- أي: الطّهارة و الحدث- و شكّ في المتأخّر، فإن لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهّر، و إلّا استصحبه.

كتب القاضي بخطّه إلى العلّامة‌

الصفحه : 58

يا مولانا جمال الدّين- أدام اللّٰه فواضلك- أنت إمام المجتهدين في علم الأصول، و قد تقرّر في الأصول مسألة إجماعية، هي: أنّ الاستصحاب حجّة ما لم يظهر دليل على رفعه، و معه لا يبقى حجّة، بل يصير خلافه هو الحجّة، لأنّ خلاف الظّاهر إذا عضده دليل صار هو الحجّة و هو ظاهر، و الحالة السّابقة على حالة الشكّ قد انتقض بضدّه، فإن كان متطهّرا فقد ظهر أنّه أحدث حدثا ينقض تلك الطّهارة، ثمَّ حصل الشكّ في رفع هذا الحدث، فيعمل على بقاء الحدث بأصالة الاستصحاب، و بطل الاستصحاب الأوّل، و إن كان محدثا فقد ظهر ارتفاع حدثه بالطّهارة المتأخّرة عنه، ثمَّ حصل الشّكّ في ناقض هذه الطّهارة و الأصل فيها البقاء، و كان الواجب على القانون الكلّيّ الأصوليّ أن يبقى على ضدّ ما تقدّم.

فأجابه العلّامة: وقفت على ما أفاده المولى الإمام العالم- أدام اللّٰه فضائله، و أسبغ عليه فواضله- و تعجّبت من صدور هذا الاعتراض عنه، فإنّ العبد ما استدلّ بالاستصحاب، بل استدل بقياس مركّب من منفصلة مانعة الخلوّ بالمعنى الأعم عناديّة و حمليّتين، و تقريره: أنّه إن كان في الحالة السّابقة متطهّرا، فالواقع بعدها:

إمّا أن يكون الطّهارة و هي سابقة على الحدث، أو الحدث الرّافع للطّهارة الأولى فيكون الطّهارة الثّانية بعده، و لا يخلو الأمر منهما، لأنّه صدر منه طهارة واحدة رافعة للحدث في الحالة الثّانية و حدث واحد رافع للطّهارة، و امتناع الخلوّ بين أن يكون السّابقة الطّهارة الثّانية أو الحدث ظاهر، إذ يمتنع أن يكون الطّهارة السّابقة، و إلّا كانت طهارة عقيب طهارة رافعة للحدث، و التّقدير: خلافه، فتعيّن أن يكون السّابق الحدث، و كلّما كان السّابق الحدث فالطّهارة الثّانية متأخّرة عنه، لأنّ التّقدير أنّه لم يصدر عنه إلّا طهارة واحدة رافعة للحدث، فإذا امتنع تقدّمها على الحدث وجب تأخّرها عنه، و إن كان في الحالة السّابقة محدثا، فعلى هذا التّقدير: إمّا أن يكون السّابق الحدث أن الطّهارة، و الأول محال و إلّا كان حدث عقيب حدث، فلم يكن رافعا للطّهارة، و التّقدير: أنّ الصّادر حدث واحد رفع للطّهارة، فتعيّن أن يكون‌

الصفحه : 59

السّابق هو الطّهارة، و المتأخّر هو الحدث، فيكون محدثا. فقد ثبت بهذا البرهان أنّ حكمه في هذه الحالة موافق للحكم في الحالة الأولى بهذا الدّليل لا بالاستصحاب، و العبد إنّما قال: استصحبه، أي: عمل بمثل حكمه. انتهى كلامه. ثمَّ أنفذه إلى شيراز و لمّا وقف القاضي البيضاويّ على هذا الجواب استحسنه جدّا، و أثنى على العلّامة [1].

و لم يكن هذا غريبا من العلّامة المترجم له أن يكون بهذا المستوي من التّظلّع و الإحاطة، فربّما كان من جملة العوامل و الأسباب الّتي جعلته من سادة هذا الفنّ و أشياخه، هي:

1 التّربية الاسريّة، فقد عرف عنه أنّه عاش في بيت يعجّ بالأعاظم من العلماء، و من المتبحّرين في علم الأصول من أمثال: خاله المحقّق، و والده البحّاثة، و ابن عمّ والدته الشّيخ نجيب الدّين و غيرهم.

2 تلقّيه المعارف الأساسيّة في هذا الفنّ- إماميّة و غير إماميّة- من مصادرها الأصليّة على خيرة أساتذتها المبرّزين، و ذلك بقراءته و سماعه فترة زمنيّة طويلة.

3 ثقافته الموسوعيّة في بقيّة نواحي العلوم الحياتيّة الأخرى، حتّى أنّ كتبه الّتي ألّفها في هذا المجال زادت على العشرة كتب،- ذكرناها في جملة مؤلّفاته و آثاره العلميّة- الأمر الّذي مكّنه من الاستيعاب و الإحاطة بكلّ ما له صلة بموضوعه من بحوثها.

4 احتكاكه المباشر بالوسط العلميّ الّذي عاصره، و الّذي كان يضمّ مختلف المدارس الفكريّة، و برجالها و علمائها، خاصّة في مدينة الحلّة الّتي كانت امتدادا لمدرسة الشّيخ الطّوسيّ في بغداد، بعد أن تعرّضت الأخيرة للغزو‌


[1] بحار الأنوار ج. من الطّبعة الجديدة، المدخل ص 248، بتصرّف.

الصفحه : 60

البربريّ الكاسر من قبل المغول.

5 رحلاته و أسفاره الكثيرة إلى مختلف الحواضر الإسلاميّة، و بالأخصّ تلك الّتي أملت عليه أن يكون على علم تام بمعارف المذاهب المناظرة له، خصوصا و أنّه كان موفدا إلى مهمّة خطيرة جدا و ذات أهمّيّة مصيريّة، قد يترتّب عليها مستقبله و مستقبل الشّيعة الإماميّة بصفته مذهبا معاصرا، و منافسا من قبل بقيّة المذاهب الإسلامية الأربعة، ألا و هي المناظرة الخالدة الّتي دارت في مجلس السّلطان محمّد خدابنده الّذي كان حنفيّ المذهب أوّلا ثمَّ صار شافعيا. و أمام طائفة كبيرة جدّا من أساطين العلم و فحول الجدل، الوحيد بينهم في صحّة ما يدّعي، إذ لم يكن أحد يناصره في مذهبه الإماميّ [1].

مدرسته السّيّارة

اقترح العلّامة بعد مناظرته المعروفة على السّلطان محمّد خدابنده تأسيس مدرسة لتربية و إعداد طلّاب العلوم الدّينيّة، فرحّب السّلطان بهذا الاقتراح و أجابه بالقبول، و لمّا كانت رغبة السّلطان بحضور العلّامة بمجالسة المختلفة و الاستئناس به و بتلاميذه حتّى في طريقه و سفره، كانت المدرسة هذه مدرسة متنقّلة و سمّيت (بالمدرسة السّيّارة [2])، و كانت تضمّ أكثر من مائة تلميذ و طالب للعلوم، كلّهم مكفول المأكل و المشرب و الملبس و المنام و جميع ما يحتاجون إليه، و كان يدرّس فيها مختلف العلوم و في شتّى الميادين الثّقافيّة بما في ذلك علوم: الكلام، و أصول الدّين، و الفقه، و الأصول، و الحديث، و التّاريخ، و الدّراية، و الفلسفة، و المنطق، و الطّبيعة و الرّياضيّات، و علم النّفس و التّربية، و آداب البحث و الاحتجاج‌


[1] استفدنا هذه النّكات الخمس من مقدّمة مبادي الوصول، بتصرّف تام.

[2] يدلّ على هذه التّسمية: ما وجد في آخر بعض مؤلّفاته، أنّه وقع الفراغ منه في المدرسة السّيّارة السّلطانيّة في كرمانشاهان.

الصفحه : 61

و قواعد الجدل و المناظرة، و قد تخرّج من هذه المدرسة علماء كثيرون، برعوا و اشتهروا في مختلف الفنون، ذكرنا بعضهم في جملة تلامذته.

و قد ألّفت هذه المدرسة، من: أربعة أواوين، و مجموعة غرف مكوّنة من الخيام الكرباسيّة الغليظة، و كان الطّلّاب يرحلون برحيل السّلطان و يقيمون بإقامته.

رؤيته في المنام

يحكى: أنّ ولده رآه في المنام بعد موته، فسأله عن حاله، فقال له: لو لا كتاب الألفين، و زيارة الحسين، لقصمت الفتوى ظهر أبيك نصفين.

و تشبّث بهذا المنام بعض العامّة فيما حكاه المولى محمّد أمين الأسترابادي في أواخر الفوائد المدنيّة، فقال:

إنّ العلّامة الّذي هو أفضل علمائكم يقول هكذا، فعلم أنّ مذهبكم باطل.

و قال: إنّه أجابه بعض الفضلاء، بأنّ هذا المنام لنا لا علينا، فإنّ كتاب الألفين يشتمل على ألف دليل لإثبات مذهبنا، و ألف دليل لإبطال مذهب غيرنا.

كما تشبّث بهذا المنام الملّا محمّد أمين الأسترابادي الأخباريّ المذكور في فوائده. بحمل ذلك المنام على تأليف العلّامة في أصول الفقه الّذي لا يرتضيه الأخباريّة.

و نحن نقول: إنّ هذا المنام مختلق مكذوب على العلّامة، و إمارة ذلك: ما فيه من التّسجيع، مع أنّ العلّامة إمّا مأجور أو معذور، و تأليفه في علم أصول الفقه من أفضل أعماله. و لا يستند إلى المنامات إلّا ضعفاء العقول أو من يروّجون بها نحلهم و أهواءهم [1].


[1] أعيان الشّيعة ج 5 ص 400.

الصفحه : 62

وصاياه الأخلاقيّة

و للعلّامة- رحمه اللّٰه- وصايا أخلاقيّة كثيرة، نذكر منها اثنتين: الاولى:

الوصيّة الّتي أوردها في آخر كتابه القواعد، و الثّانية: الّتي أوصى بها ولده محمّد عند ما كان مشغولا بإتمام كتاب والده الألفين في إمامة أمير المؤمنين- عليه السّلام-، الّذي ظلّ ناقصا بسبب وفاة العلّامة، أمّا الاولى، قال فيها لابنه فخر المحقّقين:

اعلم يا بنيّ أعانك اللّٰه على طاعته، و وفّقك لفعل الخير و ملازمته، و أرشدك إلى ما يحبّه و يرضاه، و بلّغك من الخير ما تأمله و تتمنّاه، و أسعدك في الدّارين، و حباك بكلّ ما تقرّبه العين، و مدّ لك في العمر السّعيد و العيش الرّغيد، و ختم أعمالك بالصّالحات، و رزقك أسباب السّعادات، و أفاض عليك من عظائم البركات، و وقاك اللّٰه كلّ محذور، و دفع عنك الشّرور.

إنّي قد لخّصت لك في هذا الكتاب لبّ فتاوى الأحكام، و بيّنت لك فيه قواعد شرائع الإسلام، بألفاظ مختصرة، و عبارة محرّرة، و أوضحت لك فيه نهج الرّشاد و طريق السّداد، و ذلك بعد أن بلغت من العمر الخمسين، و دخلت في عشر السّتين، و قد حكم سيّد البرايا، بأنّها مبدأ اعتراك المنايا، فإن حكم اللّٰه تعالى عليّ فيها بأمره، و قضى فيها بقدره، و أنفذ ما حكم به على العباد، الحاضر منهم و الباد.

فإنّي أوصيك كما افترض اللّٰه تعالى عليّ من الوصيّة، و أمرني به حين إدراك المنيّة، بملازمة تقوى اللّٰه تعالى، فإنّها السّنّة القائمة، و الفريضة اللّازمة، و الجنّة الواقية، و العدّة الباقية، و أنفع ما أعدّه الإنسان ليوم تشخص فيه الأبصار، و يعدم عنه الأنصار.

عليك باتّباع أوامر اللّٰه تعالى، و فعل ما يرضيه، و اجتناب ما يكرهه، و الانزجار‌

الصفحه : 63

عن نواهيه، و قطع زمانك في تحصيل الكمالات النّفسانية، و صرف أوقاتك في اقتناء الفضائل العلميّة، و الارتقاء عن حضيض النّقصان إلى ذروة الكمال، و الارتفاع إلى أوج العرفان عن مهبط الجهّال، و بذل المعروف، و مساعدة الإخوان، و مقابلة المسي‌ء بالإحسان، و المحسن بالامتنان، و إيّاك و مصاحبة الأرذال، و معاشرة الجهّال، فإنّها تفيد خلقا ذميما، و ملكة ردّية، بل عليك بملازمة العلماء، و مجالسة الفضلاء، فإنّها تفيد استعدادا تامّا لتحصيل الكمالات، و تثمر لك ملكة راسخة لاستنباط المجهولات، و ليكن يومك خيرا من أمسك، و عليك بالتّوكّل و الصّبر و الرّضاء، و حاسب نفسك في كلّ يوم و ليلة، و أكثر من الاستغفار لربّك، و اتّق دعاء المظلوم، خصوصا اليتامى و العجائز، فإنّ اللّٰه تعالى لا يسامح بكسر كسير، و عليك بصلاة اللّيل، فإنّ رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- حثّ عليها، و ندب إليها، و قال: (من ختم له بقيام اللّيل ثمَّ مات فله الجنّة).

و عليك بصلة الرّحم فإنّها تزيد في العمر، و عليك بحسن الخلق، فإنّ رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال: (إنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم).

و عليك بصلة الذّرّيّة العلويّة، فإنّ اللّٰه تعالى قد أكّد الوصيّة فيهم، و جعل مودّتهم أجر الرّسالة و الإرشاد فقال تعالى (قُلْ لٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ) و قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-: (إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاءوا بذنوب أهل الدّنيا: رجل نصر ذرّيتي، و رجل بذل ماله لذرّيّتي عند المضيق، و رجل أحبّ ذرّيّتي باللّسان و القلب، و رجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا و شردوا) و قال الصّادق- عليه السّلام-: (إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّدا يكلّمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النّبيّ- صلّى اللّٰه عليه و آله- فيقول: يا معشر الخلائق، من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتّى أكافيه، فيقولون: بآبائنا و أمّهاتنا، و أيّ يد و أيّ منّة و أيّ معروف لنا؟ بل اليد و المنّة و المعروف للّٰه و لرسوله على جميع الخلائق؟! فيقول: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي‌

الصفحه : 64

أو برّهم أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم، فليقم حتّى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النّداء من عند اللّٰه: يا محمّد، يا حبيبي، قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد- صلّى اللّٰه عليه و آله- و أهل بيته- صلوات اللّٰه عليهم).

و عليك بتعظيم الفقهاء، و تكريم العلماء، فإنّ رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال: (من أكرم فقيها مسلما، لقي اللّٰه تعالى يوم القيامة و هو عنه راض، و من أهان فقيها مسلما، لقي اللّٰه تعالى يوم القيامة و هو عليه غضبان).

و جعل النّظر إلى وجه العلماء عبادة، و النّظر إلى باب العالم عبادة، و مجالسة العلماء عبادة.

و عليك بكثرة الاجتهاد في ازدياد العلم و الفقه في الدّين، فإنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال لولده: (تفقّه في الدّين، فإنّ الفقهاء ورثة الأنبياء، و أنّ طالب العلم يستغفر له من في السّماوات و من في الأرض، حتّى الطّير في جوّ السماء، و الحوت في البحر، و إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به).

و إيّاك و كتمان العلم و منعه عن المستحقّين لبذله، فإنّ اللّٰه تعالى يقول (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ).

و قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-: (إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل، فعليه لعنة اللّٰه).

و قال- صلّى اللّٰه عليه و آله-: (لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم).

و عليك بتلاوة القرآن العزيز، و التّفكّر في معانيه، و امتثال أوامره و نواهيه، و تتّبع الأخبار النّبويّة، و الآثار المحمّديّة، و البحث عن معانيها، و استقصاء النّظر فيها، و قد وضعت لك كتبا متعدّدة في ذلك كلّه.


 

 

الصفحه : 65 الصفحه : 65

هذا ما يرجع إليك، و أمّا ما يرجع إليّ و يعود نفعه عليّ: فأن تتعهّدني بالتّرحّم في بعض الأوقات، و أن تهدي عليّ ثواب بعض الطّاعات، و لا تقلل من ذكري، فينسبك أهل الوفاء إلى الغدر، و لا تكثر من ذكري، فينسبك أهل العزم إلى العجز، بل اذكرني في خلواتك و عقيب صلواتك، و اقض ما عليّ من الدّيون الواجبة، و التّعهّدات اللّازمة، و زر قبري بقدر الإمكان، و اقرأ عليه شيئا من القرآن، و كلّ كتاب صنّفته و حكم اللّٰه تعالى بأمره قبل إتمامه، فأكمله، و أصلح ما تجده من الخلل و النّقصان، و الخطأ و النّسيان.

هذه وصيّتي إليك، و اللّٰه خليفتي عليك، و السّلام عليك و رحمة اللّٰه و بركاته.

و أمّا الثانية: فهي الّتي نقلها ولده فخر المحقّقين محمّد في كتاب الألفين، قال:

يقول محمّد بن الحسن بن المطهّر حيث وصل في ترتيب هذا الكتاب و تبيينه إلى هذا الدّليل. خطر لي أنّ هذا خطابي لا يصلح في المسائل البرهانيّة، فتوقّفت في كتابته، فرأيت والدي عليه الرّحمة تلك اللّيلة في المنام و قد سلّاني السّلوان، و صالحني الأحزان، فبكيت بكاءا شديدا و شكيت إليه من قلّة المساعد و كثرة المعاند، و هجر الإخوان، و كثرة العدوان، و تواتر الكذب و البهتان، حتّى أوجب ذلك لي جلاء عن الأوطان، و الهرب إلى أراضي آذربايجان، فقال لي:

اقطع خطابك فقد قطعت نياط قلبي، و قد سلّمتك إلى اللّٰه، فهو سند من لا سند له، و جاز في المسي‌ء بالإحسان، فلك ملك عالم عادل قادر لا يهمل مثقال ذرّة، و عوض الآخرة أحبّ إليك من عوض الدّنيا، و من أجرته إلى الآخرة فهو أحسن و أنت أكسب، ألا ترضى بوصول أعواض لم تتعب فيها أعضاؤك، و لم تكلّ بها قواك، و اللّٰه لو علم الظّالم و المظلوم بخسارة التّجارة و ربحها لكان الظّلم عند المظلوم مترجّى، و عند الظّالم متوقّى، دع المبالغة في الحزن عليّ، فإنّي قد بلغت من المني أقصاها، و من الدّرجات أعلاها، و من الغرف ذراها، و أقلل من البكاء،

الصفحه : 66

فأنا مبالغ لك في الدّعاء [1]. ثمَّ سأله ابنه عن الدّليل و أجابه عليه، فثبّته بما أفاده العلّامة.

و إلى جانب هاتين الوصيّتين الرّفيعتين، هناك وصايا له كثيرة، ذكرها في ذيل الإجازات الشّريفة لتلاميذه و من رووا عنه.

مناقبه

و له- رحمه اللّٰه- مناقب كثيرة، نذكر منها واحدة فقط، رواها المحدّث القمّي- قدّس سرّه- في السّفينة، قال:

ذكر القاضي في المجالس، و بعض فضلاء عصر الشّيخ البهائي في كشكوله حكاية له، بهذا اللّفظ:

قيل: إنّه كان يطلب من بعض الأفاضل كتابا لينسخه و كان يأبى عليه و كان كتابا كبيرا جدّا، فاتّفق أنّه أخذه منه مشترطا بأنّه لا يبقى عنده غير ليلة واحدة، و هذا الكتاب لا يمكن نسخة إلّا في سنة أو أكثر، فأتى به الشّيخ رحمه اللّٰه و شرع في كتابته في تلك اللّيلة، فكتب منه صفحات و ملّ، و إذا برجل يدخل عليه من الباب بصفة أهل الحجاز، فسلّم و جلس، ثمَّ قال: أيّها الشّيخ تمسطر لي الأوراق و أنا أكتب، فكان الشّيخ يمسطر له الأوراق و ذلك الرّجل يكتب، و كان لا يلحق الممسطر بسرعة كتابته، فلما نقر ديك الصّباح و صاح و إذا الكتاب بأسره مكتوب تماما.

و قيل: إنّ العلّامة- رحمه اللّٰه- لمّا ملّ الكتابة نام، فرأى الكتاب مكتوبا، و صرّح في المجالس بأنّه كان هو الحجّة- عليه السّلام- [2].


[1] الألفين ص 127.

[2] سفينة البحار ج 2 ص 228.

الصفحه : 67

أعقابه

خلّف- رحمه اللّٰه- عدّة أولاد ذكورا و إناثا، أرباب الفضل و ربّاته، أشهرهم و أجلّهم: الشّيخ الإمام الهمام القدوة فخر الإسلام محمّد- صاحب كتاب إيضاح القواعد- المتوفّى سنة 771 ق.

ثمَّ إنّه- قدّس سرّه- منّ على من بعده من المستفيدين بإقدامه على شرح كتب المتقدّمين و التّعليقة عليها، سيّما مصنّفات أستاذه في العلوم العقليّة، بحيث قال أستاذه المذكور في حقّه على ما في بعض المجاميع المخطوطة ما لفظه:

لو لم يكن هذا الشّابّ العربي، لكانت كتبي و مقالاتي في العلوم كبخاتي خراسان، غير ممكنة من السّلطة عليها.

و ينقل عن شيخه و خاله المحقّق، أنّه وصفه بما يقرب من هذا بالنّسبة إلى كتبه الفقهيّة و الأصوليّة [1].

إشعاره

قال العلّامة المجلسيّ في البحار:

قد سمعت من صاحب الرّياض أنّه وصفه بالشّاعر الماهر، و لم نجد له في كتب التّراجم شعرا غير ما ذكره صاحب الرّوضات، قال:

اتّفق لي العثور في هذه الأواخر على مجموعة من ذخائر أهل الاعتبار، و لطائف آثار فضلاء الأدوار، فيها نسبة هذه الأشعار الأبكار إليه:

ليس في كلّ ساعة أنا محتاج و لا أنت قادر إن تنيلا فاغتنم حاجتي و يسرك فأحرز فرصة تسترق فيها الخليلا


[1] اللّئالي المنتظمة و الدّرر الثّمينة ص 62.

الصفحه : 68

و قال: و له أيضا: ما كتبه إلى العلّامة الطّوسيّ مسترخصا للسّفر إلى العراق من السّلطانيّة:

محبّتي تقتضي مقامي و حالتي تقتضي الرّحيلا هذان خصمان لست أقضي بينهما خوف أن أميلا و لا يزالان في اختصام حتّى نرى رأيك الجميلا

و كتب إلى الشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة- كما مرّ بنا- بعد ما بلغه أنّه ردّ على كتابه في الإمامة، و وصل إليه كتابه أبياتا أوّلها:

لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى طرّا لصرت صديق كلّ العالم لكن جهلت فقلت إنّ جميع من يهوى خلاف هواك ليس بعالم [1]

وفاته و مدفنه

و توفّي- رحمه اللّٰه- في مدينته (الحلّة المزيديّة) يوم السّبت، الحادي و العشرين من محرّم الحرام سنة 726 ق، فيكون عمره الشّريف 78 عاما و أربعة أشهر و تسعة أيّام.

و نقل إلى الحضرة الحيدريّة- على صاحبها آلاف التّحيّة و السّلام- فدفن في حجرة عن يمين الدّاخل إلى الحرم الغرويّ من جهة الشّمال، و قبره ظاهر معروف مزور إلى اليوم، و يقابله قبر المحقّق الأردبيليّ، فأكرم بهما من بوّابين لتلك القبّة السّامقة، و الرّوضة الرّبّانيّة الشّريفة.

صفاء الدّين البصريّ مشهد المقدّسة 1414 ق‌


[1] بحار الأنوار ج. (المدخل) ص 248 من الطّبعة الجديدة.

نام کتاب : منتهى المطلب في تحقيق المذهب نویسنده : العلامة الحلي    جلد : 3  صفحه : 2
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست