فى الدنيا و عليه يبعثون يوم القيامة و ذلك تأويل طول أعناقهم أى
تمام ظاهر دينهم و كماله فمن لم يكن كذلك فى الدنيا من المؤذنين الظاهرين و
الباطنين فليس ممن عنى بهذا القول و إنما عنى به منهم أهل الفضل فى أحوالهم و
الكمال فى ظاهرهم و باطنهم.
و يتلو ذلك
قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد ذكر فضل الأذان فقيل له يا رسول اللّه
(صلى اللّه عليه و سلم) إنا لنخاف أن تتضارب عليه أمتك بالسيوف لفضله فقال أما إنه
لن يعدو ضعفاءكم، تأويل ذلك أن الأذان فى الظاهر قل من يقوم به إلا[1] ضعفاء
الناس و كذلك دعوة الحق المستورة فى حال الخوف و التقية قل من ينتدب إليها من
الدعاة إلا ضعفاء الناس و المخمولون فيهم ليدخلوا فى غمار الناس و يستتروا فيهم و
كذلك كانوا فى حال ذلك إلى أن أظهر اللّه دعوة الحق بظهور مهدى الأمة و كاشف جلباب
الظلمة و إخباره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بذلك ما بين به ما يكون من المحن
التى يستتر فيها المؤمنون و يستضعفون و وصفهم بالضعف و الخمول فى غير خبر جاء عنه
من ذلك قوله صلى اللّه عليه و سلم: «المؤمن ضعيف فى نفسه قوى فى دينه» و قوله: «كم
من ضعيف مستضعف أشعث أغبر ذى طمرين لو أقسم على اللّه لأبره» و على ذلك حال أكثر
أولياء اللّه و أتباعهم فى كل أمة إلا من أعزه اللّه لينتصر به لدينه و ينتقم به
من أعدائه منهم و إنما يوصف بالشدة و الغلظة و ظاهر القوة فى الدنيا المتغلبون فيها
من الكفار و الفراعنة و أعوانهم و ذلك لأن الدنيا هى دارهم و فيها رغباتهم و همتهم
و بذلك وصفهم اللّه فى كتابه بأنهم أشد قوة و أكثر جمعا و أولياء اللّه و أتباعهم
فى الدنيا كالغرباء الضعفاء إذ ليست الدنيا دارهم و لا فيها رغباتهم و لكن اللّه
تعالى يؤيد منهم يشاء بنصره و يظهرهم على أعدائه و ينتقم بهم ممن أشرك به لئلا
يكون الناس كما قال تعالى أمة واحدة إذا قوى أهل الكفر به و ظهروا على أهل الدنيا
بقوتهم فجعل تعالى من أوليائه من يفل حدهم و يكسر شوكتهم و يذلهم ليعبد فى أرضه و
لئلا يذل أولياؤه و لذلك بعث من بعث من رسله بالسيف و بعث بعضهم دعاة مستضعفين فى
الأرض و كذلك بعث محمدا رسوله صلى اللّه عليه و سلم فأقام كذلك مدة ثم أيده بفرض
الجهاد على أمته و إشهار السيف على أعدائه فأعزه و أعز أنصاره و أذل بهم من ناوأهم
و بقوا على ما كانوا عليه من الرقة و الرحمة فى أنفسهم و من ذلك قوله تعالى فى
صفاتهم: «أَشِدّٰاءُ