نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 485
إذا تمهد هذا ظهر الفرق بين طريقة أهل البحث و طريقة أهل التصرف في
العلوم الإلهية دون التعلمية، فلذلك اختاروا طريقة المجاهدة لمحو الصفات المذمومة
و قطع العلائق كلها و الإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، و مهما حصل ذلك كان الله
هو المتولي لقلب عبده و المتكفل بتنويره بأنوار العلوم، و إذا تولى الله أمر
القلب، فاضت الرحمة و أشرق النور عليه، و انشرح الصدور و انكشف له سر الملكوت و
انقشع عن وجه القلب حجاب العزة بلطف الرحمة، و تلألأ فيه حقائق الأمور الإلهية، و
قد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك و تصفية و جلاء ثم استعداد و انتظار فقط
لما يفتح الله من الرحمة، إذ الأنبياء و الأولياء انكشف لهم الأمور و فاض على
صدورهم النور لا بالتعلم و الدراسة للكتب بل بالزهد في الدنيا و التبري عن علائقها
و الإقبال بكنه الهمة على الله" فمن كان لله، كان الله له".
و أما النظار و ذو الاعتبار، فلم ينكروا وجود هذا الطريق و إمكانه و
إفضاءه إلى المقصد على الندور، فإنه أكثر أحوال الأنبياء و الأولياء، و لكن
استوعروا هذا الطريق و استبطئوا ثمرته و استبعدوا اجتماع شروطه، و زعموا أن محو
العلائق إلى ذلك الحد كالمتعذر، و إن حصل في حالة فثباته أبعد إذ أدنى وسواس و
خاطر يشوش القلب، قال رسول الله ص:" قلب المؤمن أشد تقلبا من القدر في
غليانه" و قال:" قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف
يشاء".
و في أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج و يخطل العقل و يمرض البدن،
و إذا لم يتقدم رياضة البدن و تهذيبها بحقائق العلوم، تشبث بالقلب خيالات فاسدة
تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول، و العمر ينقضي دون النجاح فيه. فكم من
صوفي سلك هذه الطريق ثم بقي في خيال واحد عشرين سنة، و لو كان قد أتقن العلوم من
قبل لا نفتح له وجه التباس ذلك الخيال في الحال، فالاشتغال بطريق التعلم أوثق و أقرب
إلى الغرض.
و زعموا أن ذلك يضاهي ما لو ترك الإنسان تعلم الفقه و زعم أن النبي،
ص، لم يتعلم و لكن صار فقيها بالوحي و الإلهام من غير تكرار و تعليق، فإنا أيضا
ربما ننتهي بالرياضة إليه.
و من ظن ذلك فقد ظلم نفسه و ضيع عمره، بل هو كمن ترك طريق الكسب و
الحراسة
نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 485