نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 391
و كل صورة حاصلة لموجود مجرد عن المادة بأي نحو كان، فهي مناط عالمية
ذلك المجرد بها.
فالنفس الإنسانية في ذاتها عالم خاص بها من الجواهر و الأعراض
المفارقة و المادية و الأفلاك المتحركة و الساكنة و العناصر و المركبات، و سائر
الخلائق يشاهدها بنفس حصولاتها لها، لا بحصولات أخرى، و إلا يتسلسل، فعلمه بها
بعينه قدرتها عليه، و ذلك لأن الباري تعالى خلاق الموجودات المبدعة و الكائنة، و
خلق النفس الإنسانية مثالا لذاته و صفاته و أفعاله، فإنه منزه عن المثل و الشبه لا
عن المثال، فخلق النفس مثالا له ذاتا و صفاتا و أفعالا، ليكون معرفتها مرقاة
لمعرفته كما وقع في الحديث المشهور، فجعل ذاتها مجردة عن الأكوان و الأحياز و
الجهات، و صيرها ذات قدرة و علم و إرادة و حياة و سمع و بصر، و جعلها ذات مملكة
شبيهة بمملكة باريها يخلق ما يشاء و يختار ما يريد في عالمها، إلا أنها و إن كانت
النفس كذلك، لكنها لضعف وجودها في الحياة الدنياوية ما يترتب عليها و يوجد من
تصورها من الأفعال و الآثار الخاصة أعني الصور الإدراكية، يكون في غاية ضعف الوجود
بل وجود ما يوجد عنها بذاتها و هي في هذا العالم من الصور العقلية أو الخيالية
أظلال و أشباح للموجودات المتأصلة الصادرة عن الباري و إن كانت الماهية محفوظة في
أنحاء الوجود فلا يترتب على ما يتصوره الآن ما يترتب بحسب الوجود الحسي الخارجي و
العقلي الخارجي، اللهم إلا لبعض المتجردين عن جلباب البشرية و مشوشات ما يورده
الحواس من أصحاب المعارج، فإنهم لشدة اتصالهم بعالم القدس و محل الكرامة و كمال
قوتهم و سعة وجودهم الوافي بحفظ الجوانب و عدم اشتغالهم بشأن من الشئون عن شأن
آخر، يقتدرون على إيجاد صورة موجودة يترتب عليها الآثار و يستلذ بها في هذا الدار
أو في عالم آخر لمن يكون له حاسة يصلح لمشاهدة الأمور الأخروية و معاينة الأسرار.
و قد مر أن الوجود للشيء الذي لا يترتب عليه الآثار و هو الصادر عن
النفس حين اشتغالها بعالم الحواس يسمى بالوجود الذهني و الظلي، و الوجود المترتب
عليه الآثار يسمى بالخارجي و العيني.
و مما يؤيد ما ذكرنا ما قاله الشيخ الجليل" محيي الدين
الأعرابي" في كتاب" الفصوص" أنه بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله
ما لا وجود له إلا فيها، و هذا هو الأمر العالم لكل إنسان، و العارف يخلق بالهمة
ما يكون له وجود من خارج محل الهمة،
نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 391