نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 339
التي يقع فيها التعذيب للأشقياء و التنعم للسعداء، هي النشأة
الإدراكية التي هي أصفى و ألطف من النشأة الجرمانية، و هي" دار الآخرة التي
هيالْحَيَوانُ لَوْ
كانُوا يَعْلَمُونَ" لأن الملذ و
الموذي في الحقيقة أمور غير محسوسة بهذا الحس الظاهري الدنياوي، بل بالحواس
الباطنة الأخروي، لأن سكر الطبيعة و خدرها الحاصل للنفس في هذه الدار لأجل
اشتغالها بتدبير البدن، يمنع أن يدرك لوازم أخلاقها و توابع ملكاتها الحاصلة لها
لأجل الأعمال الحسنة أو القبيحة إدراكا حقا غير مشوب بما يورد عليه الحواس و يشتغل
به من الأفعال، فإذا ارتفع عنها الحجاب و انكشف الغطاء، وقع اليوم بصره إلى تبعات
أخلاقه و لحقات أعماله، فيقع لها إما اللذة الوافرة العظيمة، إن كانت رضية الأخلاق
حسنة الأعمال صحيحة الاعتقاد، أو الألم الشديد و الداهية العظيمة، إن كانت سيئة
الأخلاق قبيحة الأعمال باطلة الاعتقاد، كما في قوله:"فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"، فجحيم الآخرة و إن كانت ألطف من هذه الدنيا، إلا
أن عذاب الأشقياء و آلامها على وجهها إنما يتحقق فيها، لا في هذه الدار، و لطافتها
يوجب ذلك، لكون الإدراك الذي هو ملاك التعذب فيها أصدق و أصفى.
و قوله تعالى:"وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ*" إشارة إلى أن باعث الألم و العذاب موجود
بالفعل للكفار، و هم لا يدركونه لسكر طبيعتهم و تخدر مداركهم عن إدراكه.
و من تأمّل في الأحوال التي قد يراها أو يتوهمها الإنسان عند النوم
أو غيره بلا جهة ظاهرة محسوسة لتيقن، أن عذاب الآخرة و آلامها أشد و أبقى من عذاب
الدنيا و محنتها، لأنها أشد استقرارا و أغرز في النفس من هذه الحسيات.
و منها،
أن التعذب بالجهل المركب و غيره من الأحوال التي وعدها الشارع إن كان
يلحق الجواهر الروحاني مجردا عن علائق الأجسام، فكيف يحصل من مثله هذا التصور
المحدود، و ليست معه قوة التخيل، إذ الجهل المركب لا بد فيه من تصورات و تصديقات
خلاف ما ينبغي منشؤها المتخيلة، و معلوم أن الفائض من المبادي العالية ما لم يكن
فينا
نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 339