فبقى أن يكون القسم الصحيح هو القسم الأخير ، ويكون التعلم طلب الاستعداد التام للاتصال به ، حتى يكون منه [٢] العقل الذى هو البسيط فتفيض منه الصور مفصلة فى النفس بتوسط الفكرة ، فيكون الاستعداد قبل التعلم ناقصا ، والاستعداد بعد التعلم تاما.
واذا تعلم يكون من شأنه أنه إذا خطر بباله ما يتصل بالمعقول المطلوب ، وأقبلت النفس على جهة النظر ـ وجهة النظر هو الرجوع إلى المبدأ الواهب للعقل ـ اتصل به ففاضت منه [٣] قوة العقل المجرد [٤] الذى يتبعه فيضان التفصيل ، وإذا أعرض عنه عادت فصارت تلك الصورة بالقوة ، لكن قوة قريبة جدا من الفعل. فيكون التعلم الأول كمعالجة العين ، فإذا صارت العين صحيحة فمتى شاءت نظرت إلى الشىء الذى منه تأخذ صورة مّا ، وإذا أعرضت عن ذلك الشىء صار ذلك بالقوة القريبة من الفعل. وما دامت النفس البشرية القاسية [٥] فى البدن ، فإنه ممتنع عليها أن تقبل العقل الفعال دفعة ، بل يكون حالها ما قلنا.
وإذا قيل : إن فلانا عالم بالمعقولات ، فمعناه أنه بحيث كلما شاء أحضر صورته فى ذهن نفسه ، ومعنى هذا أنه كلما شاء كان له أن يتصل بالعقل الفعال اتصالا يتصور فيه منه ذلك المعقول ، ليس أن ذلك المعقول
[١] قال صدر المتألهين فى الأسفار اشار بذلك إلى إبطاله للصور المفارقة التى نسب القول بها إلى افلاطون وشيعته من الاقدمين. [٢] اى من العقل الفعال. [٣] اى من المبدأ الواهب. [٤] اى العلم الاجمالى البسيط. [٥] العامية ، عدة نسخ.